تكميل قواه بهذه الفضيلة الشريفة، التي هي أم الفضائل بأسرها، ولا يمكنك حمله على ذلك حتى تكون بنفسك متحليّاً بها، وإلا دخلت في من يقول ولا يفعل كما يقول ؛ فلم تكن ممن يعمل الصالحات. انتهى.
الخامس : قال الإمام : إنما قال :﴿ وَتَوَاصَوْا ﴾، ولم يقل : وأوصوا ؛ ليبين أن النجاة من الخسران إنما تناط بحرص كل من أفراد الأمة على الحق، ونزوع كل منهم إلى أن يوصي به قومه ومن يهمه أمر الحق، ليوصي صاحبه بطلبه يهمه أن يرى الحق فيقبله، فكأن في هذه العبارة الجزلة قد نص على تواصيهم بالحق وقبولهم الوصية به إذا وجهت إليهم.
السادس : قال ابن كثير : ذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبيد الله بن حصن، قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله - ﷺ - إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الأخر سورة العصر إلى آخرها. ثم يسلم أحدهما على الآخر. قال الإمام : قد ظن الناس أن ذلك كان للتبرك، وهو خطأ ؛ وإنما كان ليذكر كل واحد منهما صحابه بما ورد فيها، خصوصا من التواصي بالحق والتواصي بالصبر ؛ حتى يجتلب منه قبل التفرق، وصية خير لو كانت عنده.
وقد فسر الإمام رحمه الله هذه السورة بتفسير على حدة لم يسبق إلى نظيره، فعلى من أراد التوسع في أسرارها، أن يرجع إليه. (١)
السورة على قصرها جاءت بأسلوب حاسم قوي، لتهتف بالناس أن لا فلاح لهم ولا نجاح ولا صلاح إلّا في الإيمان باللّه وحده والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر، وأن كل من ينحرف عن هذه السبيل فهو خاسر.
وهي على إيجازها خلاصة هدف الدعوة الإسلامية الموجهة إلى الإنسانية جمعاء، وهي عرض عام مثل سورة الأعلى والليل. ولذلك نرجح أنها نزلت مثلهما قبل الفصول القرآنية التي فيها حكاية مواقف المكذبين في سورة العلق والقلم والمزمل والمدثر.
ولقد كان المؤمنون الأولون رضي اللّه عنهم يعرفون عظم مدى السورة حتى لقد روي أن الرجلين من أصحاب رسول اللّه - ﷺ - إذا التقيا لم يفترقا إلّا بعد أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر. ولقد قال الشافعي رحمه اللّه : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.
ونقول بالمناسبة إن هناك آثارا في فضل صلاة العصر. وقد فسرت الصلاة الوسطى المأمور بالمحافظة عليها بنوع خاص في آية البقرة هذه : حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى