تخلص من عثرة وقع في أخرى. فالمذكور في الآية هو المشبه به، والمشبه محذوف، لدلالة السياق عليه.. (١)
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد لفتت أنظار الناس إلى التفكر والاعتبار، ووبخت المشركين على جهالاتهم وطغيانهم، وساقت مثالا واضحا للمؤمن والكافر، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. (٢)
قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين - على سبيل تبصيرهم بالحجج والدلائل الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا، وعلى سبيل التنويع في الإرشاد والتوجيه.. قل لهم : الرحمن - عز وجل - هو الذي أنشأكم وأوجدكم في كل طور من أطوار حياتكم، وهو سبحانه - الذي أوجد لكم السمع الذي تسمعون به، والأبصار التي تبصرون بها الكائنات، والأفئدة أى والقلوب التي تدركونها بها.. ولكنكم - مع كل هذه النعم - قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ خالقكم - عز وجل -. وجمع - سبحانه - الأفئدة والأبصار، وأفرد السمع، لأن القلوب تختلف باختلاف مقدار ما تفهمه مما يلقى إليها من إنذار أو تبشير، ومن حجة أو دليل، فكان من ذلك تعدد القلوب بتعدد الناس على حسب استعدادهم.
وكذلك شأن الناس فيما تنتظمه أبصارهم من آيات اللّه في كونه، فإن أنظارهم تختلف في عمق تدبرها وضحولته، فكان من ذلك تعدد المبصرين، بتعدد مقادير ما يستنبطون من آيات اللّه في الآفاق.
وأما المسموع فهو بالنسبة للناس جميعا شيء واحد، هو الحجة يناديهم بها المرسلون، والدليل يوضحه لهم النبيون.
لذلك كان الناس جميعا كأنهم سمع واحد، فكان إفراد السمع إيذانا من اللّه بأن حجته واحدة، ودليله واحد لا يتعدد.
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ٢٣)