وأردفت ذلك في الخاتمة بإثبات البعث، وحصر علمه باللّه تعالى، وإنذار المكذبين بدعوة الرسول - ﷺ -، وتحذيرهم من إيقاع العذاب بهم، وإعلان وجوب التوكل على اللّه، والتهديد بتغوير الماء الجاري في الأنهار والينابيع دون أن يتمكن أحد بإجرائه والإتيان ببديل عنه (الآيات : ٢٥ - ٣٠).
والخلاصة : أن السورة إثبات لوجود اللّه تعالى ووحدانيته ببيان مظاهر علمه وقدرته، وإنذار بأهوال القيامة، وتذكير بنعم اللّه على عباده، وربط الرزق بالسعي في الأرض ثم التوكل على اللّه تعالى. (١)
وفي الظلال :
" هذ الجزء كله من السور المكية. كما كان الجزء الذي سبقه كله من السور المدنية. ولكل منهما طابع مميز، وطعم خاص.. وبعض مطالع السور في هذا الجزء من بواكير ما نزل من القرآن كمطلع سورة «المدثر» ومطلع سورة «المزمل». كما أن فيه سورا يحتمل أن تكون قد نزلت بعد البعثة بحوالي ثلاث سنوات كسورة «القلم».
وبحوالي عشر سنوات كسورة «الجن» التي يروى أنها نزلت في عودة رسول اللّه - ﷺ - من الطائف، حيث أوذي من ثقيف. ثم صرف اللّه إليه نفرا من الجن فاستمعوا إليه وهو يرتل القرآن، مما حكته سورة الجن في هذا الجزء (٢). وكانت هذه الرحلة بعد وفاة خديجة وأبي طالب قبيل الهجرة بعام أو عامين. وإن كانت هناك رواية أخرى هي الأرجح بأن السورة نزلت في أوائل البعثة.
والقرآن المكي يعالج - في الغالب - إنشاء العقيدة. في اللّه وفي الوحي، وفي اليوم الآخر. وإنشاء التصور المنبثق من هذه العقيدة لهذا الوجود وعلاقته بخالقه. والتعريف بالخالق تعريفا يجعل الشعور به حيا في القلب، مؤثرا موجها موحيا بالمشاعر اللائقة بعبد يتجه إلى رب، وبالأدب الذي يلزمه العبد مع الرب،
(٢) - انظر خبر إسلام الجن سنن الترمذى- المكنز - (٣٦٤١ ) وصحيح ابن حبان - (١٤ / ٤٥٩)(٦٥٢٦)