" وقل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التوبيخ وإلزام الحجة : أخبرونى إن أصبح ماؤكم غائرا في الأرض، بحيث لا يبقى له وجود أصلا.
فمن يستطيع أن يأتيكم بماء ظاهر على وجه الأرض، تراه عيونكم، وتستعملونه في شئونكم ومنافعكم. إنه لا أحد يستطيع ذلك إلا اللّه - تعالى - وحده، فعليكم أن تشكروه على نعمه، لكي يزيدكم منها." (١)
وفي الظلال :"لقد كانوا يتربصون بالنبي - ﷺ - والحفنة المؤمنة التي معه أن يهلكوا فيستريحوا منهم وكانوا يتواصون بينهم بالصبر عليه حتى يوافيه الأجل، فتسكن هذه الزوبعة التي أثارتها الدعوة في صفوفهم.
كما كانوا يتبجحون أحيانا فيزعمون أن اللّه سيهلك محمدا ومن معه لأنهم ضالون، ولأنهم يكذبون على اللّه فيما يقولون! فهنا أمام مشهد الحشر والجزاء، ينبههم إلى أن أمنيتهم حتى لو تحققت لا تعصمهم هم من عاقبة الكفر والضلال. فأولى لهم أن يتدبروا أمرهم قبل هذا الموعد الذي واجههم به كأنه واقع بهم :«قُلْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا، فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ؟»..
وهو سؤال يردهم إلى تدبر حالهم، والتفكير في شأنهم، وهو الأولى! فما ينفعهم أن تتحقق أمانيهم فيهلك اللّه النبي ومن معه - كما لا ينقذهم بطبيعة الحال أن يرحم اللّه نبيه ومن معه. واللّه باق لا يموت. وهو الذي ذرأهم في الأرض وإليه يحشرون..
ولكنه لا يقول لهم : فمن يجيركم من عذاب أليم؟ ولا ينص على أنهم كافرون. إنما يلوح لهم بالعذاب الذي ينتظر الكافرين :«فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ».. وهو أسلوب في الدعوة حكيم، يخوفهم من ناحية، ويدع لهم فرصة للتراجع عن موقفهم من ناحية. فلو جابههم بأنهم كافرون، وأنه لا مفر لهم من العذاب الأليم..
فربما جهلوا وحمقوا وأخذتهم العزة بالإثم أمام الاتهام المباشر والتهديد.

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ٢٩)


الصفحة التالية
Icon