إنه فضل من فضل وإحسان من إحسانه.. وإن من لا يشكر على القليل لا يشكر على الكثير.." (١)
"إن الناس في حاجة إلى تذكيرهم بهذه الحقيقة في معرض دعوتهم إلى الهدى، ومجاهدتهم ليخرجوا مما هم فيه من الظلمات إلى نور اللّه وهداه. في حاجة إلى تذكيرهم بأنهم هم الفقراء المحاويج إلى اللّه. وأن اللّه غني عنهم كل الغنى. وأنهم حين يدعون إلى الإيمان باللّه وعبادته وحمده على آلائه فإن اللّه غني عن عبادتهم وحمدهم، وهو المحمود بذاته. وأنهم لا يعجزون اللّه ولا يعزون عليه فهو إن شاء أن يذهب بهم ويأتي بخلق جديد من جنسهم أو من جنس آخر يخلفهم في الأرض. فإن ذلك عليه يسير..
الناس في حاجة إلى أن يذكروا بهذه الحقيقة، لئلا يركبهم الغرور وهم يرون أن اللّه - جل وعلا - يعنى بهم، ويرسل إليهم الرسل ويجاهد الرسل أن يردوهم عن الضلالة إلى الهدى، ويخرجوهم من الظلمات إلى النور. ويركبهم الغرور فيظنون أنهم شيء عظيم على اللّه! وأن هداهم وعبادتهم تزيد شيئا في ملكه تعالى! واللّه هو الغني الحميد.
وإن اللّه سبحانه يمنح العباد من رعايته، ويفيض عليهم من رحمته، ويغمرهم بسابغ فضله - بإرسال رسله إليهم، واحتمال هؤلاء الرسل ما يحتملون من إعراضهم وإيذائهم، وثباتهم على الدعوة إلى اللّه بعد الإعراض والإيذاء.. إن اللّه سبحانه إنما يعامل عباده هكذا رحمة منه وفضلا وكرما ومنا. لأن هذه صفاته المتعلقة بذاته. لا لأن هؤلاء العباد يزيدون في ملكه شيئا بهداهم، أو ينقصون من ملكه شيئا بعماهم. ولا لأن هؤلاء العباد مخلوقات نادرة عزيزة صعبة الإعادة أو الاستبدال، فيغتفر لهم ما يقع منهم لأنهم صنف لا يعاد ولا يستبدل.
وإن الإنسان ليدهش ويحار في فضل اللّه ومنه وكرمه، حين يرى هذا الإنسان الصغير الضئيل الجاهل القاصر، الضعيف العاجز، ينال من عناية اللّه ورعايته كل

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٨٦٦)


الصفحة التالية
Icon