أولا : أمام قيمة العقل البشري ووظيفته ودوره في أخطر قضايا «الإنسان» قضية الإيمان باللّه التي تقوم عليها حياته في الأرض من جذورها بكل مقوماتها واتجاهاتها وواقعياتها وتصرفاتها كما يقوم عليها مآله في الآخرة وهي أكبر وأبقى.
لو كان اللّه - سبحانه - وهو أعلم بالإنسان وطاقاته كلها، يعلم أن العقل البشري، الذي وهبه للإنسان، هو حسب هذا الإنسان في بلوغ الهدى لنفسه والمصلحة لحياته، في دنياه وآخرته، لو كله إلى هذا العقل وحده يبحث عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق، ويرسم لنفسه كذلك المنهج الذي تقوم عليه حياته، فتستقيم على الحق والصواب ولما أرسل إليه الرسل على مدى التاريخ ولما جعل حجته على عباده هي رسالة، الرسل إليهم وتبليغهم عن ربهم ولما جعل حجة الناس عنده - سبحانه - هي عدم مجيء الرسل إليهم :
«لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ».. ولكن لما علم اللّه - سبحانه - أن العقل الذي آتاه للإنسان أداة قاصرة بذاتها عن الوصول إلى الهدى - بغير توجيه من الرسالة وعون وضبط - وقاصرة كذلك عن رسم منهج للحياة الإنسانية يحقق المصلحة الصحيحة لهذه الحياة وينجي صاحبه من سوء المآل في الدنيا والآخرة..
لما علم اللّه - سبحانه - هذا شاءت حكمته وشاءت رحمته أن يبعث للناس بالرسل، وألا يؤاخذ الناس إلا بعد الرسالة والتبليغ :«وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا».. وهذه تكاد تكون إحدى البديهيات التي تبرز من هذا النص القرآني.. فإن لم تكن بديهية فهي إحدى المقتضيات الحتمية..
إذن.. ما هي وظيفة هذا العقل البشري وما هو دوره في قضية الإيمان والهدى وفي قضية منهج الحياة ونظامها؟
إن دور هذا العقل أن يتلقى عن الرسالة ووظيفته أن يفهم ما يتلقاه عن الرسول. ومهمة الرسول أن يبلغ، ويبين، ويستنقذ الفطرة الإنسانية مما يرين عليها من الركام. وينبه العقل الإنساني إلى تدبر دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس


الصفحة التالية
Icon