ليرفع عن الفطرة ركام الإلف والعادة والبلادة وركام الشهوات المضلة للعقل والفطرة. ويخاطب العقل بمعنى أنه يكل إليه فهم مدلولات النصوص التي تحمل مقرراته، ولا يفرض عليه أن يؤمن بما لا يفهم مدلوله ولا يدركه.. فإذا وصل إلى مرحلة إدراك المدلولات وفهم المقررات لم يعد أمامه إلا التسليم بها فهو مؤمن، أو عدم التسليم بها فهو كافر.. وليس هو حكما في صحتها أو بطلانها. وليس هو مأذونا في قبولها أو رفضها، كما يقول من يبتغون أن يجعلوا من هذا العقل إلها، يقبل من المقررات الدينية الصحيحة ما يقبل، ويرفض منها ما يرفض، ويختار منها ما يشاء، ويترك منها ما يشاء..
فهذا هو الذي يقول اللّه عنه :«أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟» ويرتب عليه صفة الكفر، ويرتب عليه كذلك العقاب..
فإذا قرر اللّه - سبحانه - حقيقة في أمر الكون، أو أمر الإنسان، أو أمر الخلائق الأخرى. أو إذا قرر أمرا في الفرائض، أو في النواهي.. فهذا الذي قرره اللّه واجب القبول والطاعة ممن يبلغ إليه. متى أدرك المدلول المراد منه..
إذا قال اللّه سبحانه «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ».. «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ».. «وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ»..
«خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ».. إلى آخر ما قال - سبحانه - عن طبيعة الكون والكائنات والأحياء والأشياء.. فالحق هو ما قال. وليس للعقل أن يقول - بعد أن يفهم مدلول النصوص والمقررات التي تنشئها - إنني لا أجد هذا في مقرراتي، أو في علمي، أو في تجاربي فكل ما يبلغه العقل في هذا معرض للخطأ والصواب. وما قرره اللّه - سبحانه - لا يحتمل إلا الحق والصواب.
وإذا قال اللّه سبحانه :«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ»..


الصفحة التالية
Icon