ومن هنا استحقت تلك الجماعة هذا الوصف الذي وصفها اللّه سبحانه وتعالى به، وهى أنها شرّ ما دبّ على الأرض من كائنات، وذلك لأنها لا تعقل كما يعقل الناس، ولا تسمع كما يسمع الناس، ولا تبصر كما يبصر الناس.. ثم هى ليست من دوابّ الحيوانات، تعيش، فى حدود الطبيعة المتاحة لتلك الدواب، وإنما هى خلق آخر.. مزيج من الإنسان والحيوان.. وذلك مسخ للإنسان، وللحيوان معا، وبهذا المسخ يكون هؤلاء الآدميّون الحيوانيّون شرّ الدّواب، طبيعة وخلقا.
فقوله تعالى :« فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » حكم قاطع، قاض على هذا الصنف من الكافرين بأنه لن يدخل الإيمان قلبه أبدا.. وهذا الصنف هو الذي ذكره اللّه سبحانه وتعالى فى قوله :« إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ.. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » (٦ ـ ٧ : البقرة). (١)
================
الثمرة الثانية عشرة - أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي تكفل الله تعالى بحفظه.
قال تعالى :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (٩) سورة الحجر
فخير لهم أن يقبلوا عليه. فهو باق محفوظ لا يندثر ولا يتبدل. ولا يلتبس بالباطل ولا يمسه التحريف وهو يقودهم إلى الحق برعاية اللّه وحفظه، إن كانوا يريدون الحق، وإن كانوا يطلبون الملائكة للتثبت.. إن اللّه لا يريد أن ينزل عليهم الملائكة، لأنه أراد بهم الخير فنزل لهم الذكر المحفوظ، لا ملائكة الهلاك والتدمير.
وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد اللّه الحق بحفظ هذا الذكر فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب - إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة - ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصونا محفوظا لا تتبدل فيه كلمة

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (٥ / ٦٤٣)


الصفحة التالية
Icon