حين تتجمع وتتناسق بينما تفسد آثارها وتضطرب، وتفسد الحياة معها، وتنتشر الشقوة بين الناس والتعاسة حين تفترق وتتصادم :«ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ».. فالارتباط قائم وثيق بين عمل الإنسان وشعوره وبين ماجريات الأحداث في نطاق السنة الإلهية الشاملة للجميع. ولا يوحي بتمزيق هذا الارتباط، ولا يدعو إلى الإخلال بهذا التناسق، ولا يحول بين الناس وسنة اللّه الجارية، إلا عدو للبشرية يطاردها دون الهدى وينبغي لها أن تطارده، وتقصيه من طريقها إلى ربها الكريم.. (١)
وما أحوج الأمة المسلمة في كل وقت إلى تملي هذه التوجيهات، وإلى دراسة هذا القرآن بالعين المفتوحة والحس البصير، لتتلقى منه تعليمات القيادة الإلهية العلوية في معاركها التي تخوضها مع أعدائها التقليديين ولتعرف منها كيف ترد على الكيد العميق الخبيث الذي يوجهونه إليها دائبين، بأخفى الوسائل، وأمكر الطرق. وما يملك قلب لم يهتد بنور الإيمان، ولم يتلق التوجيه من تلك القيادة المطلعة على السر والعلن والباطن والظاهر، أن يدرك المسالك والدروب الخفية الخبيثة التي يتدسس فيها ذلك الكيد الخبيث المريب
ثم نلحظ من جانب التناسق الفني والنفسي في الأداء القرآني، أن بدء هذه الجولة يلتحم بختام قصة آدم، وبالإيحاءات التي أشرنا إليها هناك، وهذا جانب من التكامل في السياق القرآني بين القصص والوسط الذي تعرض فيه (٢)
فالنفس البشرية هي النفس البشرية وأعداء الأمة المسلمة هم أعداؤها..
والقرآن حاضر.. ولا نجاة للنفس البشرية ولا للأمة المسلمة إلا بإدخال هذا القرآن في المعركة، ليخوضها حية كاملة كما خاضها أول مرة.. وما لم يستيقن المسلمون من هذه الحقيقة فلا فلاح لهم ولا نجاح!

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (١ / ١٥)
(٢) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (١ / ١٨٠)


الصفحة التالية
Icon