فإذا جاء من عند اللّه من يخبر بأن بعد هذا الموت حياة أخرى، وأن الموت ليس نهاية الإنسان ـ فهل يقع هذا عند العقلاء موقع الإنكار ؟ وكيف والشواهد كلها تشهد بإمكانيته ؟ بل وتقطع بأنه أمر لا بد منه، من حيث أن هذه الحياة التي لبسها الإنسان بعد العدم، إنما كانت ليقوم بها على خلافة اللّه فى الأرض، حيث بسط سلطانه ـ بعقله ـ على كل ما فى هذا الوجود الأرضى.. ومخلوق هذا شأنه، لا بد أن يرقى صعدا إلى أفق أعلى من هذا الأفق الأرضى..
وإن هذه الخلافة التي للإنسان على الأرض ليست خلافة جماعية، تحمل فيها الجماعة الإنسانية كلها تبعتها، وإنما هى خلافة يحمل فيها كل فرد مسئوليته، ويحاسب على ما كان منه، فيجزى بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا.. وذلك يقضى بأن يردّ الإنسان إلى الحياة مرة أخرى، ليحاسب، وليثاب أو يعاقب..
والسؤال هنا، هو : إذا كان كذلك، وكان لا بد من الحساب والجزاء على ما كان من الإنسان ـ فلم لا يحاسب فى الحياة الدنيا ؟ ولم الموت ثم الحياة ؟ وما حكمة الموت ثم الحياة ؟ أليست هذه الحياة الجديدة هى عودة بالإنسان ـ نفسا وذاتا ـ إلى حياته الأولى، ووصل لما انقطع منه بالموت ؟ وهل يضيف الموت شيئا جديدا إلى الإنسان حتى يكون لموته مساغا.. ؟!!
ونقول : إن هذه التصورات هى نتيجة لهذا الفهم الخاطئ للموت الذي يقع على الإنسان بعد الحياة، حيث يبدو منه أنه انقطاع للمجرى حياة الإنسان، ثم إنه بعد زمن ما ـ قد يطول أو يقصر ـ يعود إلى الحياة مرة أخرى، يوم القيامة!!
ولو فهم الموت على حقيقته، وأنه ليس إلا تحوّلا من منزل إلى منزل، وانتقالا من حال إلى حال ـ لو فهم الموت على هذا، لما كان لمثل هذه التصورات أن تجد لها مكانا فى تفكير الإنسان، يوقع فى نفسه هذه العزلة الموحشة بين الموت والحياة..
فالموت ـ فى حقيقته ـ هو حياة جديدة تلبس الإنسان خارج هذا الجسد الذي تركه الموت جثّة هامدة.. وتلك الجثة الهامدة التي يخلفّها الموت وراءه، هى التي تعطي الموت تلك الصورة المخيفة المفزعة..


الصفحة التالية
Icon