قَالَ: " كَيْفَ أَنْتُمْ وَنَبِيَّكُمْ ؟ " قَالُوا أَنْتَ نَبِيُّنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ قَالَ: " لَيْسَ ذَلِكُمُ النِّفَاقَ " (١)..
فالصلة باللّه هي الأصل. فمتى انعقدت في القلب فهو مؤمن صادق موصول.
وهذه الآية السابقة تربط ما قبلها في السياق بما بعدها، في تقرير علم اللّه بالسر والجهر، وهو يتحدى البشر.
وهو الذي خلق نفوسهم، ويعلم مداخلها ومكامنها، التي أودعها إياها :«وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟».
أسروا أو اجهروا فهو مكشوف لعلم اللّه سواء. وهو يعلم ما هو أخفى من الجهر والسر. «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» التي لم تفارق الصدور! عليم بها، فهو الذي خلقها في الصدور، كما خلق الصدور! «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؟» ألا يعلم وهو الذي خلق؟ «وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟» الذي يصل علمه إلى الدقيق الصغير والخفي المستور.
إن البشر وهم يحاولون التخفي من اللّه بحركة أو سر أو نية في الضمير، يبدون مضحكين! فالضمير الذي يخفون فيه نيتهم من خلق اللّه، وهو يعلم دروبه وخفاياه. والنية التي يخفونها هي كذلك من خلقه وهو يعلمها ويعلم أين تكون. فماذا يخفون؟ وأين يستخفون؟
والقرآن يعنى بتقرير هذه الحقيقة في الضمير. لأن استقرارها فيه ينشئ له إدراكا صحيحا للأمور. فوق ما يودعه هناك من يقظة وحساسية وتقوى، تناط بها الأمانة التي يحملها المؤمن في هذه الأرض. أمانة العقيدة وأمانة العدالة، وأمانة التجرد للّه في العمل والنية. وهو لا يتحقق إلا حين يستيقن القلب أنه هو وما يكمن فيه من سر ونية هو من خلق اللّه الذي يعلمه اللّه. وهو اللطيف الخبير..

(١) - شعب الإيمان - (٢ / ٣٤٥) (١٠٢٩ ) ومسند البزار - (٢ / ٣١٩) (٦٩٠٤) حسن


الصفحة التالية
Icon