السير فيها، ولتعذر الإنبات. ولكن العوامل الجوية من هواء وأمطار وغيرها هي التي فتتت هذه الصخور الصلدة، وأنشأ اللّه بها هذه التربة الخصبة الصالحة للحياة. وأنشأ ما فيها من النبات والأرزاق التي يحلبها راكبو هذه الدابة الذلول!
واللّه جعل الأرض ذلولا بأن جعل الهواء المحيط بها محتويا للعناصر التي تحتاج الحياة إليها، بالنسب الدقيقة التي لو اختلت ما قامت الحياة، وما عاشت إن قدر لها أن تقوم من الأساس. فنسبة الأكسجين فيه هي ٢١ تقريبا ونسبة الأزوت أو النتروجين هي ٧٨ تقريبا والبقية من ثاني أكسيد الكربون بنسبة ثلاثة أجزاء من عشرة آلاف وعناصر أخرى.
وهذه النسب هي اللازمة بالضبط لقيام الحياة على الأرض! واللّه جعل الأرض ذلولا بآلاف من هذه الموافقات الضرورية لقيام الحياة.. ومنها حجم الأرض وحجم الشمس والقمر، وبعد الأرض عن الشمس والقمر. ودرجة حرارة الشمس. وسمك قشرة الأرض. ودرجة سرعتها. وميل محورها. ونسبة توزيع الماء واليابس فيها. وكثافة الهواء المحيط بها.. إلى آخره.. إلى آخره.
وهذه الموافقات مجتمعة هي التي جعلت الأرض ذلولا. وهي التي جعلت فيها رزقا، وهي التي سمحت بوجود الحياة، وبحياة هذا الإنسان على وجه خاص.
والنص القرآني يشير إلى هذه الحقائق ليعيها كل فرد وكل جيل بالقدر الذي يطيق، وبالقدر الذي يبلغ إليه علمه وملاحظته، ليشعر بيد اللّه - الذي بيده الملك - وهي تتولاه وتتولى كل شيء حوله، وتذلل له الأرض، وتحفظه وتحفظها. ولو تراخت لحظة واحدة عن الحفظ لاختل هذا الكون كله وتحطم بمن عليه وما عليه! فإذا استيقظ ضميره لهذه الحقيقة الهائلة أذن له الخالق الرحمن الرحيم بالمشي في مناكبها والأكل من رزقه فيها :«فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ». والمناكب المرتفعات، أو الجوانب. وإذا أذن له بالمشي في مناكبها فقد أذن له بالمشي في سهولها وبطاحها من باب أولى. فمتى أذن له في الشموس منها فقد أذن له في الذلول! والرزق الذي فيها كله من خلقه، وكله من ملكه، وهو أوسع مدلولا مما


الصفحة التالية
Icon