قال ابن الأثير :" فإنها مؤمنة : قال الخطابي : إنما حكم بأنها مؤمنة بهذا القدر من قولها، وهو أنه لما سألها : أين الله ؟ قالت: في السماء، وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان، دون الإقرار بالشهادتين، والتبرؤ من سائر الأديان؛ لأنه - ﷺ - رأى منها أمارة الإسلام، وأنها في دار الإسلام، وبين المسلمين، وتحت رقِّ المسلم، وهذا القدر يكفي عَلمًا لذلك. ألا ترى أنا إذا رأينا رجلاً وامرأة مقيمين في بيت، فسألناه عنها، فقال: هي زوجتي، وصدَّقته على ذلك، فإننا نقبل قولهما، ولا نكشف عن أمرهما ولا نطلب منهما شرائطَ العقد، فإذا جاءنا رجل وامرأة أجنبيان، يريدان ابتداءَ عقد النكاح، فإننا نطالبهما بشروط النكاح، من إحضار الولي، والشهود، وغير ذلك، وكذلك الكافر إذا عُرض عليه الإسلام، لم نقتصر منه على قوله: إني مُسلم، حتى يَصفَ الإسلام بكماله وشرائطه.
وإذا جاءنا من يُجهَلُ حالُهُ في الكفر والإيمان، فقال: إني مسلم، قبلناه، فإذا كان عليه أَمَارَةُ الإسلام - من هيئةٍ وإشارَةٍ ودارٍ - كان قَبول قوله أولى، بل يُحكم عليه بالإسلام، وإن لم يقل شيئًا." (١)
وقال النووي :" هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات، وَفِيهَا مَذْهَبَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرهمَا مَرَّات فِي كِتَاب الْإِيمَان. أَحَدهمَا : الْإِيمَان بِهِ مِنْ غَيْر خَوْض فِي مَعْنَاهُ، مَعَ اِعْتِقَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَتَنْزِيهه عَنْ سِمَات الْمَخْلُوقَات. وَالثَّانِي تَأْوِيله بِمَا يَلِيق بِهِ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ : كَانَ الْمُرَاد اِمْتِحَانهَا، هَلْ هِيَ مُوَحِّدَة تُقِرّ بِأَنَّ الْخَالِق الْمُدَبِّر الْفَعَّال هُوَ اللَّه وَحْده، وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اِسْتَقْبَلَ السَّمَاء كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة ؟ وَلَيْسَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُنْحَصِر فِي السَّمَاء كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي جِهَة الْكَعْبَة، بَلْ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاء قِبْلَة الدَّاعِينَ، كَمَا أَنَّ الْكَعْبَة قِبْلَة الْمُصَلِّينَ، أَوْ هِيَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان الْعَابِدِينَ لِلْأَوْثَانِ الَّتِي بَيْن أَيْدِيهمْ، فَلَمَّا قَالَتْ : فِي السَّمَاء، عَلِمَ أَنَّهَا مُوَحِّدَة وَلَيْسَتْ عَابِدَة لِلْأَوْثَانِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : لَا خِلَاف بَيْن الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَة فَقِيههمْ وَمُحَدِّثهمْ وَمُتَكَلِّمهمْ وَنُظَّارهمْ

(١) - جامع الأصول في أحاديث الرسول - (١ / ٢٣١)


الصفحة التالية
Icon