﴿هنالك﴾ أَيْ: عند ذلك ﴿دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قال رب هب لي من لدنك﴾ أَيْ: من عندك ﴿ذريةً طيبةً﴾ أَيْ: نسلاً مباركاً تقيّاً فأجاب الله دعوته وبعث إليه الملائكة مبشرين وهو قوله:
﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ الله﴾ أَيْ: مُصدِّقاً بعيسى أنَّه روح الله وكلمته وسُمِّي عيسى كلمة الله لأنَّه حدث عند قوله: ﴿كُنْ﴾ فوقع عليه اسم الكلمة لأنَّه بها كان ﴿وسيداً﴾ وكريماً على ربِّه ﴿وحصوراً﴾ وهو الذي لا يأتي النِّساء ولا أرب له فيهنَّ
﴿قال﴾ زكريا لمَّا بُشِّر بالولد: ﴿ربِّ أنى يكون لي غلامٌ﴾ أَيْ: على أيِّ حالٍ يكون ذلك؟ أَتردُّني إلى حال الشَّباب وامرأتي أَمْ مع حال الكبر؟ ﴿وقد بلغني الكبر﴾ أَيْ: بَلغْتُه لأنَّه كان ذلك اليوم ابن عشرين ومائة سنةٍ ﴿وامرأتي عاقر﴾ لا تلد وكانت بنتَ ثمانٍ وتسعين سنةً قيل له: ﴿كذلك﴾ أَيْ: مثل ذلك من الأمر وهو هبة الولد على الكبر يفعل الله ما يشاء فسبحان مَنْ لا يعجزه شيء فلمَّا بُشِّر بالولد سأل الله علامةً يعرف بها وقت حمل امرأته وذلك قوله
﴿قال رب اجعل لي آية﴾ فقال الله تعالى: ﴿آيَتُكَ أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام﴾ جعل الله تعالى علامة حمل امرأته أَنْ يُمسك لسانه فلا يقدر أنْ يُكلِّم النَّاس ثلاثة أيَّامٍ ﴿إلاَّ رمزاً﴾ أَيْ: إيماءً بالشَّفتين والحاجبين والعينين وكان مع ذلك يقدر على التَّسبيح وذكر الله وهو قوله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كثيراً وسبِّح﴾ أَيْ: وصَلِّ ﴿بالعشي﴾ وهو آخر النَّهار ﴿والإِبكار﴾ ما بين طلوع الفجر إلى الضُّحى