ولا بما سمع بأذنه، بل جعل يتتبع ويستقصي آخذا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين:
أحدهما: ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ما كان محفوظا في صدور الرجال.
وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر، أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله ﷺ «١».
فقام زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع تلك القطع ونسخها في مصحف، كما قال زيد في رواية البخاري: (فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال) «٢». وفي رواية: من العسب والرقاع والأضلاع، وفي رواية: من الأكتاف والأقتاب وصدور الرجال.
ويدل على ذلك أيضا: ما قاله الحارث المحاسبي في كتابه فهم السنن:
(كتابة القرآن ليست محدثة، فإنه ﷺ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله ﷺ فيها القرآن منتشرا، فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء) «٣».
ومن هنا كان قرار أبي بكر فيما نرى هو أخطر قرار اتخذه في حياته، وأعظم الخطوات التي تمت في تاريخ هذه الأمة، لأنه حل أساس مشكلة أصولية

(١) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٥٠؛ ومراحل كتابة القرآن الكريم وجمعه، مقال كتبه محمود شكر الجبوري في مجلة دراسات إسلامية، الصادرة عن بيت الحكمة في بغداد، العدد السادس من السنة الثانية (١٤٢٢ هـ/ ٢٠٠١ م): ١٢.
(٢) ينظر: من حديث في صحيح البخاري، باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا، رقم (٦٧٦٨): ٦/ ٢٦٢٩؛ وفضائل القرآن لابن كثير: ١٦ - ١٧.
(٣) ينظر: البرهان في علوم القرآن: ١/ ٢٣٨؛ والإتقان: ١/ ١٢٩.


الصفحة التالية
Icon