فأرسل عثمان بستة منها إلى الآفاق، واحتفظ لنفسه بواحدة منها. والله أعلم.
وأيا ما يكن عدد تلك المصاحف على وجه اليقين، فإنها جميعا تماثلت في اشتمالها على القرآن كله «١».
وإتماما للخطوة التي بدأت بنسخ المصاحف الموحدة، فقد أمر الخليفة عثمان رضي الله عنه بإحراق كل القطع والمصاحف التي كتب فيها القرآن من لدن الصحابة ليضع بذلك حدا لأي اختلاف يقع، سواء في الرسم أم في القراءة، وقد سارع من لديه شيء من ذلك إلى إحراقه، ثقة منه بالمصحف الذي تمتد أصوله إلى ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم، والذي ارتضته جموع الصحابة والتابعين في المدينة وغيرها من الأمصار. ولم يتخلف عن ذلك- في بادئ الأمر- إلا عبد الله بن مسعود ومن تبعه من أهل الكوفة، وأمر الصحابة بغل مصاحفهم «٢».
ولا يشك في أنه رضي الله عنه قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي على مواقفهم وترك الخلاف لهم «٣». وقال الباقلاني: (وقد وردت الروايات أن عثمان وعظه وحذره الفرقة.
فرجع واستجاب إلى الجماعة وحث أصحابه على ذلك) «٤».
وقد أشرنا من قبل إلى أسباب اختصاص زيد بن ثابت بمهمة جمع القرآن وكتابته في خلافة الصديق، وتوليته أمر المجموعة التي قامت بنسخ المصاحف في خلافة عثمان.
ولا بد من الإشارة- بعد ذلك- إلى أن نسخ المصحف الذي اجتمعت
(٢) وكان مراد ابن مسعود رضي الله عنه بغل المصاحف: كتمها وإخفاؤها لئلا تخرج فتعدم.
ينظر: كتاب المصاحف: ١/ ١٩٣؛ فتح الباري: ٩/ ٤٨.
(٣) ينظر: نكت الانتصار للباقلاني: ٣٦٤؛ رسم المصحف، د. غانم: ١٢٥.
(٤) ينظر: نكت الانتصار للباقلاني: ٣٦٤.