والثاني من هذه الرسالة- إنما قصارى هذا الخبر أنه يدل على أن قراءة ذلك الرجل- عباد بن بشر- ذكرت النبي ﷺ إياها، وكان قد أنسيها، أو أسقطها أي أسقطها نسيانا لا عمدا «١».
وهذا النوع من النسيان لا يزعزع الثقة بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يشكك في دقة جمع القرآن ونسخه، فإن الرسول ﷺ كان قد حفظ هذه الآيات من قبل أن يحفظها ذلك الرجل، ثم استكتبها كتاب الوحي، وبلغها الناس محفوظة عنه.
وليس في الحديث الذي احتجوا به أن هذه الآيات لم تكن بالمحفوظات التي كتبها كتاب الوحي، وليس فيه ما يدل على أن أصحاب الرسول كانوا قد نسوها جميعا، حتى يخاف عليها الضياع، أو السقوط عند الجمع الأول، واستنساخ المصحف الإمام «٢».
قال ابن حجر: (النسيان من النبي ﷺ يكون على قسمين:
أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله ﷺ في حديث ابن مسعود في السهو: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) «٣».
والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه إرادة نسخ تلاوته. وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ «٤».
فأما القسم الأول فعارض سريع الزوال لظاهر قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ
(٢) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٦٥.
(٣) صحيح البخاري، أبواب القبلة، باب التوجه نحو القبلة، رقم (٣٩٢): ١/ ١٥٦؛ وصحيح مسلم: كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم (٥٧٢):
١/ ٤٠٢.
(٤) سورة الأعلى، الآيات (٦ - ٧).