من الرسالة- وأنه توقيفي من عمل النبي ﷺ «١»، وهذا الترتيب مشهور لا ينكره أحد إلا جاهل معاند أو جاحد «٢»، وسنذكر دليلا واحدا على ذلك، لكي لا نكرر ما ذكرناه في ثنايا البحث.
روى الإمام البخاري عن ابن الزبير رضي الله عنه قال: (قلت لعثمان: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً «٣»، وقد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها، أو تدعها؟! قال: يا ابن أخي لا أغير شيئا من مكانه) «٤». وفي جواب عثمان رضي الله عنه دليل على أن ترتيب الآي توقيفي «٥».
أشرت قبل قليل إلى حديث زيد بن ثابت الذي يقول فيه: (قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن القرآن جمع في شيء) «٦». هذا الأثر استشهد به المستشرق على أن القرآن الكريم لم يكن يجمع في شيء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فتمسك بهذا الأثر للطعن بجمع القرآن وترك الأحاديث الأخرى التي تبين كيف أن النبي ﷺ كان يأمر بكتابة القرآن الكريم كلما نزلت عليه آيات حتى جمع في السطور والصدور، إلا أنه لم يكن مرتبا في مصحف واحد.
ولكن الدكتور محب الدين أراد أن يعالج هذه المسألة من خلال رده على آرثر جفري، وقد أخطأ ولم يوفق فيها- والله أعلم- لأنه أنكر هذه الرواية

(١) ينظر: كتاب البرهان للزركشي: ١/ ٢٦٠.
(٢) كتاب المصاحف، تحقيق: د. محب الدين عبد السبحان: ١/ ١٢٣.
(٣) سورة البقرة، من الآية (٢٤٠).
(٤) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً، رقم الحديث (٤٢٥٦): ٤/ ١٦٤٦.
(٥) ينظر: الإتقان: ١/ ١٤٦؛ ومناهل العرفان: ١/ ٢٤٧.
(٦) الحديث إسناده حسن كما تقدم، وهو موقوف على زيد بن ثابت، ذكره ابن حجر في فتح الباري: ٩/ ١٤؛ وكذا السيوطي في الإتقان: ١/ ١٢٦.


الصفحة التالية
Icon