الأول ومن بعدهم من المسلمين كانوا يعظمون القرآن تعظيما ما بعده من تعظيم، فكانوا يتقربون إلى الله بالحياطة والعناية منه والحفظ له، فكيف يكون هذا موقفهم من القرآن، واهتمامهم به، وهم لا يحفظونه ولا يضبطونه، فكيف يصح ذلك وقد مكث الصحابة نيفا وعشرين سنة ينزل فيهم القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وينقلونه عنه ويحضهم على حفظه، وقد ثبت في أحاديث كثيرة للنبي ﷺ مبينا جزاء وثواب من تعلمه وحفظه وعمل به «١».
كقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) «٢»، وقوله: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه له أجران، أجر القراءة وأجر المشقة) «٣»، وقوله: (تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان) «٤». إلى غيرها من الأحاديث الأخرى التي يحثهم بها على تلاوة القرآن وحفظه والعمل به. فكيف يصح أن يقال على جميع الأمة من الصحابة وغيرهم بتضييع القرآن؟!
ويدل على بطلان ما يدعونه من اضطراب نقل القرآن، أن جميع السلف والخلف وهم خلق لا يجوز على مثلهم التراسل والتطابق ينقلون أن القرآن الذي في مصاحفنا هو جميع القرآن الذي نزل على محمد ﷺ «٥».
ويدل على صحة نقل القرآن الكريم قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
(٢) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم (٤٧٣٩): ٤/ ١٩١٩.
(٣) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب سورة عبس، رقم (٤٦٥٣): ٤/ ١٨٨٢؛ وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضائل الماهر بالقرآن، رقم الحديث (٧٩٨): ١/ ٥٤٩.
(٤) مسند الإمام أحمد، رقم (٢٣٠٠٠): ٥/ ٣٤٨.
(٥) ينظر: الانتصار للباقلاني: ٦٢ - ٦٣.