حتى تتلى كذلك العمل بها غير موجود، فثبت وقوع نسخ التلاوة والحكم جميعا «١».
قال الباقلاني: (وقولها: لقد كانت تقرأ إلى أن مات رسول الله إنما تعني به أنه كان مما يحفظه كثير من الناس، ولم تقل أنه كانت قراءته واجبة، وقد قال الله تعالى:* ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها «٢»، فنص أنه ينسخ الآية ويزيلها، وقد ينسخ التلاوة ويبقى الحكم، وينسخ الحكم وتبقى التلاوة، وربما نسخا جميعا) «٣».
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا، حتى أنه ﷺ توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى) «٤».
وكذا قال الإمام السيوطي، عند قولها: (فتوفي رسول الله ﷺ وهن مما يقرأ من القرآن)، قال: بأن المراد قارب الوفاة، أو أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها) «٥».
وقد يراد من هذا أيضا أنه كان فيما أنزل من شرح القرآن وبيانه، ولا شك أن السنة شارحة للقرآن ومبينة له، قال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
(٢) سورة البقرة، من الآية (١٠٦).
(٣) نكت الانتصار للباقلاني: ٩٨.
(٤) شرح النووي لصحيح مسلم، كتاب الرضاع: ١٠/ ٣٠؛ وينظر: المدخل لدراسة القرآن لمحمد أبي شهبة: ٢٦٧.
(٥) الإتقان: ٢/ ٤٦.