متن، ص : ١١٤
لأنه عكس أوصاف الحليم، وضد طريق الحكيم. والاستعارة الأخرى قوله تعالى : وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أي يمدّ لهم كأنه يخليهم والامتداد فى عمههم والجماح فى غيهم، إيجابا للحجة، وانتظارا للمراجعة، تشبيها بمن أرخى الطّول للفرس أو الراحلة، ليتنفس خناقها، ويتسع مجالها.
[سورة البقرة (٢) : آية ٩]
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩)
وربما جعل قوله سبحانه : يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا «١» على أنه مستعار فى بعض الأقوال، وهو أن يكون المعنى أنهم يمنّون أنفسهم ألّا يعاقبوا، وقد علموا أنهم مستحقون للعقاب، فقد أقاموا أنفسهم بذلك مقام المخادعين. ولذلك قال سبحانه :
وَما يَخْدَعُونَ «٢» إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ [٩].
[سورة البقرة (٢) : آية ١٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
وقوله سبحانه : أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، وَما كانُوا مُهْتَدِينَ [١٦] وهذه استعارة. والمعنى أنهم استبدلوا الغى بالرشاد، والكفر بالإيمان، فجسرت صفقتهم، ولم تربح تجارتهم. وإنما أطلق سبحانه على أعمالهم اسم التجارة لما جاء فى أول الكلام بلفظ الشّرى تأليفا لجواهر «٣» النظام، وملاحمة بين أعضاء الكلام.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠]
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
وقوله سبحانه : يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ [٢٠]. وهذه استعارة. والمراد يكاد

(١) كان من حق هذه الآية فى الترتيب أن تأتى قبل الآية العاشرة التي سبق الحديث عنها فى قوله تعالى :
(فى قلوبهم مرض إلخ) ولا أدرى أكان ذلك سهوا من المؤلف رضى اللّه عنه، أم سهوا من الناسخ حيث وضعها فى غير موضعها، وأنزلها فى غير ترتيبها.
(٢) فى الأصل «و ما يخادعون» على أنها قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو ليتجانس اللفظان فى الموضعين. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر «يخدعون» كما أثبتناه. وكما نقرؤه فى المصحف الذي بين أيدينا.
(٣) فى الأصل «بجواهر» وهى خطأ فى النسخ.


الصفحة التالية
Icon