متن، ص : ١١٧
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ [٥] الآية «١». ومن قرأ : قلوبنا غلف على جمع غلاف بالتثقيل والتخفيف، فمعنى ذلك : قالوا قلوبنا فى أوعية فارغة لا شىء فيها. فلا تكثر علينا من قولك، فإنا لا نعى منه شيئا. فكان قولهم هذا على طريق الاستعفاء من كلامه، والاحتجاز عن دعائه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٩٣]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)
وقوله سبحانه : وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [٩٣] وهذه استعارة.
والمراد بها صفة قلوبهم بالمبالغة فى حب العجل، فكأنها تشرّبت حبّه فمازجها ممازجة المشروب، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ. وحذف حبّ العجل لدلالة الكلام عليه، لأن القلوب لا يصح وصفها بتشرّب العجل على الحقيقة.
وقوله سبحانه : بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [٩٣] استعارة أخرى. لأن الإيمان على الحقيقة لا يصحّ عليه النطق، فالأمر إنما يكون بالقول. فالمراد إذا بذلك - واللّه أعلم - أن الإيمان إنما يكون دلالة على صدّ الكفر والضلال، وترغيبا فى اتباع الهدى والرشاد، وأنه لا يكون ترغيبا فى سفاهة، ولا دلالة على ضلالة. فأقام تعالى ذكر الأمر هاهنا مقام ذكر الترغيب والدلالة، على طريق المجاز والاستعارة، إذ كان المرغّب فى الشيء والمدلول عليه، قد يفعله كما يفعله المأمور به والمندوب إليه.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٢]
وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)
وقوله تعالى : وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [١٠٢] هذه استعارة. لأن بيع نفوسهم على الحقيقة لا يتأتى «٢» لهم. والمراد به - واللّه أعلم - أنهم لما أوبقوا أنفسهم بتعلم السحر، واستحقوا العقاب على ما فى ذلك من عظيم الوزر، كانوا كأنهم قد رضوا بالسّحر ثمنا لنفوسهم، إذ عرّضوها بعمله للهلاك، وأوبقوها «٣» لدايم العقاب.

(١) سورة فصلت. الآية رقم ٥.
(٢) فى الأصل «لا تأتى» وهو تحريف من الناسخ.
(٣) فى الأصل :«و أرقوها» وهو تحريف لعل صوابه ما أثبتناه. [.....]


الصفحة التالية
Icon