متن، ص : ١١٩
عن التحذير من طاعة الشيطان فيما يأمر به، وقبول قوله فيما يدعو إلى فعله. فهذه من شرائف الاستعارات.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٥]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥)
وقوله تعالى : ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ [١٧٤]. وهذه استعارة. كأنهم إذا أكلوا ما يوجب العقاب بالنار كان ذلك المأكول مشبها بالأكل من النار. وقوله سبحانه : فِي بُطُونِهِمْ : زيادة معنى، وإن كان كل آكل إنما يأكل فى بطنه، وذلك أنه أفظع سماعا، وأشدّ إيجاعا. وليس قول الرجل للآخر : إنك تأكل النار، مثل قوله : إنك تدخل النار فى بطنك.
وقوله تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ [١٧٥] وقد مضى نظير ذلك، وأمثاله كثيرة فى هذه السورة وغيرها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٧ الى ١٨٨]
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧) وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)
وقوله تعالى فى ذكر النساء : هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ [١٨٧].
واللباس هاهنا مستعار، والمراد به قرب بعضهم من بعض واشتمال بعضهم على بعض، كما تشتمل الملابس على الأجسام «١». وعلى هذا المعنى كنوا عن المرأة بالإزار.
وقوله سبحانه : عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ، فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ [١٨٧] وهذه استعارة، لأن خيانة الإنسان نفسه لا تصح على الحقيقة، وإنما المراد أنه سبحانه خفّف عنهم التكليف فى ليالى الصيام، بأن أباحهم فيها مع أكل الطعام وشرب الشراب الإفضاء إلى النساء، ولو منعهم من ذلك لعلم أن كثيرا منهم يخلع عذار الصبر، ويضعف عن مغالبة النفس، فيواقع المعصية بفعل ما حظر عليه من غشيان
إذا ما الضجيع ثنى جيدها تثنث عليه فكانت لباسا على أن اللباس معناه أن المرأة والرجل يتضامان فيكون كل واحد منها للآخر بمنزلة اللباس.