متن، ص : ١٢٨
وقوله تعالى فى هذه الآية : لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ [٤٦] استعارة أخرى. والمراد بها : يميلون بكلامهم إلى جهة الاستهزاء بالمؤمنين، والوقيعة فى الدين.
وقوله تعالى : مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها [٤٧]. وهذه استعارة. وهى عبارة عن مسخ الوجوه. أي نزيل «١» تخاطيطها ومعارفها، تشبيها بالصحيفة المطموسة، التي عميت سطورها، وأشكلت حروفها.
[سورة النساء (٤) : آية ٧٧]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧)
وقوله تعالى : قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى [٧٧].
وهذه استعارة. والمراد بها تخسيس قدر ما يصحب الإنسان من الدنيا، وأن المتعة به قليلة، والشوائب كثيرة.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٠]
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠)
وقوله تعالى : حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ [٩٠]. فهذه استعارة. والمراد بها صفة صدورهم بالضيق على القتال. وذلك مأخوذ من الحصار، وهو تضييق المذهب، والمنع من التصرف.
وقوله : فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [٩٠] الآية وهذه استعارة، وحقيقتها، إن طلبوا منكم المسالمة، وسألوكم الموادعة.
وفى قوله سبحانه : وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ عبارة عن طلبهم السلم عن ذل واستكانة، وخضوع وضراعة.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٨]
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨)
وقوله تعالى : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [١٢٨] وهذه استعارة. وليس المراد أن محضرا أحضر الأنفس شحّها، ولكن الشح لما كان غير مفارق لها، ولا متباعد عنها، كان كأنه قد أحضرها، وحمل على ملازمتها.
[سورة النساء (٤) : آية ١٥٧]
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما
قتلوه وما صلبوه
وقوله تعالى : فَلا تَقْعُدُوا «٢» مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [١٤٠].
وهذه استعارة. والمراد بالخوض هاهنا مناقلة الحديث، والضرب فى أقطاره، والتفسّح فى أعطانه، استثارة لكرائمه، وبحثا عن غوامضه. تشبيها بخائض الماء، الذي يثير قراره، ويسبر غماره «٣».
وقوله تعالى : ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ، وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً [١٥٧].
وفى هذه الآية استعارتان : إحداهما قوله سبحانه : إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ لأن الظن جعل هاهنا بمنزلة الداعي الذي يطاع أمره، والقائد الذي يتبع أثره، مبالغة فى صفة الظن بشدة الاستيلاء عليهم وقوة الغلبة على قلوبهم. والاستعارة الأخرى أن يكون قوله تعالى : وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً راجعا إلى الظن لا إلى المسيح عليه السلام.
فكأنه سبحانه قال : وما قتلوا الظن يقينا : كما يقول القائل : قتلت الخبر علما. ومن أمثالهم :(قتل أرضا عالمها) و(قتلت أرض أهلها) والمراد بقولهم قتلت الخبر علما : أي استقصيت معرفته، واستخرجت دخيلته «٤». فلم يفتنى شىء من علمه، فكنت بذلك كأنى قاتل له. أي لم أبق شيئا يعلم من كنهه، كما لم يبق القاتل من المقتول شيئا من
(٢) فى لأصل (فلا تقعد) بخطاب الواحد، وهو تحريف وليس هناك فى القراءات شىء مثل هذا.
ويؤيد صيغة الجمع قوله تعالى بعد هذا :(إنكم إذا مثلهم).
(٣) فى الأصل «عماره» بدون نقط العين المعجمة.
(٤) فى الأصل «ذخيلته» بإعجام الذال. والصواب بالدال المهملة.