متن، ص : ١٣٩
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٠]
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠)
وقوله سبحانه : وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ [١٠٠] فى قراءة من قرأ : وخرقوا بالتخفيف، وفى قراءة من قرأ خرّقوا بالتثقيل. فهذه استعارة. والمراد أنهم دعوا له سبحانه بنين وبنات بغير علم، وذلك مأخوذ من «الخرق» وهى الأرض الواسعة، وجمعها خروق، لأن الريح تتخرق فيها، أي تتسع. والخرق من الرجال : الكثير العطاء، فكأنه يتخرق. والخرقة : جماعة الجراد مثل الحرقة، والخريق : الريح الشديد الهبوب.
فكأن معنى قوله تعالى : وَخَرَقُوا لَهُ أي اتّسعوا فى دعوى البنين والبنات له، وهم كاذبون فى ذلك. ومن قرأ وخرّقوا «١» فإنما أراد تكثير الفعل من هذا الجنس.
والاختراق، والاختلاق، والاختراع، والانتسال بمعنى واحد، وهو الادعاء للشىء على طريق الكذب والزور.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١١٢]
وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢)
وقوله سبحانه : يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [١١٢] وهذه استعارة. لأن الزخرف فى لغة العرب : الزينة. ومن ذلك قولهم : دار مزخرفة أي مزيّنة.
فكأنه تعالى قال : يزينون لهم القول ليغتروا به، وينخدعوا بظاهره، كما يستغرّ بظاهر جميل، على باطن مدخول.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١١٠]
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)
وقوله تعالى : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [١١٠] وهذه استعارة. لأن تقليب القلوب والأبصار على الحقيقة وإزالتها عن مواضعها، وإقلاقها عن مناصبها لا يصح والبنية صحيحة والجملة حيّة متصرفة. وإنما المراد - واللّه أعلم - أنا نرميها بالحيرة والمخافة، جزاء على الكفر والضلالة. فتكون الأفئدة مسترجعة لتعاظم أسباب المخاوف، وتكون الأبصار منزعجة لتوقع طلوع المكاره. وقد