متن، ص : ١٤٩
[سورة التوبة (٩) : آية ٩٨]
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨)
وقوله سبحانه : وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [٩٨]. وهد استعارة....... «١» عليهم أيام السوء، لأن الأيام والشهور قد تسمى دوائر، على طريق الاستعارة. فليس لأنها ترجع بأعيانها، وإنما تعود أشباهها وأمثالها، فشهر كشهر، ويوم كيوم، وساعة كساعة، وسنة كسنة. يقال دارت السنون، ودارت الشهور على هذا المعنى. إلا أن هذه اللفظة، أعنى الدائرة والدوائر، قد اختص ذكرها بالمواضع المكروهة. فيقال : دارت عليهم الدوائر، إذا أهلكتهم الأيام، وأفنتهم الأعوام.
ويقال : دارت لهم الدنيا. إذا وصفوا بمواتاة الإقبال، وانتظام الأحوال. فكأنّ التمييز فى الخير أو الشر إنما يقع بقولنا : دارت لهم، ودارت عليهم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٩ الى ١١١]
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠) إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)
وقوله سبحانه : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ [١٠٩] وهذه استعارة.
والمراد بها ذكر ما بناه المنافقون من مسجد الضرار «٢»، بعد ما بنى المؤمنون من المسجد المعروف بمسجد قباء «٣». لأن المؤمنين وضعوا هذا البناء، وهم مؤمنون متقون، عارفون موقنون، فكأنهم وضعوه على قواعد من الإيمان، وأساس من الرضوان. والمنافقون إنما وضعوا ذلك البناء كيدا للمؤمنين، وإرصادا للمسلمين. فكأنهم وضعوه على شفا

(١) هنا سطران ممحوان محوا تاما.
(٢) مسجد الضرار، هو المسجد الذي بناه المنافقون بقباء لإضرار المسلمين وتفريق كلمتهم، وقد سألوا النبي عند رجوعه من تبوك أن يأتى مسجدهم هذا ليصلى فيه، فأنزل اللّه فيه قوله تعالى : الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً. وقد أمر النبي عليه السلام بهدم هذا المسجد الظالم أهله، فحرق وهدم واتخذ موضعه مكانا للقمامة.
(٣) مسجد قباء هو المسجد الذي أسسه النبي على التقوى من أول يوم نزل فيه قباء، وهى بلدة على بعد ميلين من جنوب المدينة.


الصفحة التالية
Icon