متن، ص : ١٥١
وتقنط من نزول الرحمة، فتكون بذلك كالشىء الزائغ بعد الاستقامة، والمستمال بعد الثبات والرصانة.
ومن الدليل على ذلك قوله تعالى بعد هذه الآية : حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ [١١٨] فهذه أيضا استعارة. لأن النفس بالحقيقة لا توصف بالضّيق والاتساع، وإنما المراد بذلك المراد بالقول الأول من أنه عبارة عن انضغاط القلوب بشدة الكرب، وبلوغها منقطع الصبر.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٠]
ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)
وقوله : سبحانه : ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ [١٢٠] وهذه استعارة. والمراد بها أنهم لا ينبغى لهم أن يكرموا أنفسهم عما يبذل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيه نفسه، ولا يحفظوا مهجهم فى المواطن التي تحضر فيها مهجته، اقتداء به، واتباعا لأثره. وهذه لفظة يستعملها أهل اللسان كثيرا، فيقولون : رغبت بنفسي عن الضيم، وأرغب بك يا فلان عن القتل، أي أضنّ بنفسي عن أن تذل، وأنفس بمثلك عن أن يقتل.
فالظاهر يدل على أنهم رضوا بنفوسهم عن نفس النبي صلّى اللّه عليه وسلم. والمراد :
وما كان لهم أن يرغبوا بالنفوس. عن.... «١» التي ينزلها نفسه ويعرض فيها مهجته.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٢٤ الى ١٢٥]
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥)
وقوله سبحانه : وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ، وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ [١٢٤]، [١٢٥] وهذه

(١) بياض بالأصل. ويصح أن توضع هنا كلمة المواطن، أو المواضع، أو المنازل، أو ما إليها من هذا الباب.


الصفحة التالية
Icon