متن، ص : ١٥٢
استعارة ظاهرة. وذلك أن السّورة لا تزيد الأرجاس «١» رجسا، ولا القلوب مرضا، بل هى شفاء للصدور، وجلاء للقلوب. ولكن المنافقين لما ازدادوا عند نزولها عمى وعمها وازدادت قلوبهم ارتيابا ومرضا، حسن أن يضاف ذلك إلى السورة، على طريق لأهل اللسان معروفة.
وقد استقصينا الكلام على ذلك فى عدة مواضع من كتابنا الكبير. فمن أراد بلوغ أقاصى هذه الطريقة، والضرب فى أقطارها والتفسح فى أعطانها، فليتتبع مواضعها من ذلك الكتاب بمشيئة اللّه.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٨]
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)
وقوله تعالى : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ [١٢٨] وهذه استعارة. والمراد بأنفسكم هاهنا - واللّه أعلم - أي من جنس أنفسكم وخلقكم، لتكونوا إليه أسكن، وإلى القبول منه أقرب. ويجوز أن يكون من أنفسكم أي من قبيلكم وعشيرتكم، كما يقول القائل : فلان من أنفس بنى فلان. أي من صميم أنسابهم، وليس من وسائطهم وملاصقهم.
وقد يجوز أن يكون المراد برسول من أنفسكم، أي من أشقائكم وأعزّائكم، كما يقول القائل لذى ودّه والقريب من قلبه : أنت من نفسى، وأنت من قلبى. أي أنت شقيق النفس، وقسيم القلب.
ومما يقوّى ذلك قوله سبحانه : عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [١٢٨] أي بحبّه لكم، وميله إليكم، يعزّ عليه أن تعنتوا وتعاندوا فتحرموا الثواب، وتستحقوا «٢» العقاب، فهو حريص على إيمانكم رأفة بكم وإشفاقا عليكم.

(١) فى الأصل «لا تزيد الأرجاس إلا رجسا» وإلا زائدة من الناسخ بها ينقلب المعنى إلى الضد.
والصواب حذفها كما أثبتناه.
(٢) فى الأصل «و يستحقوا» بضمير الغائبين والصواب «و تستحقوا» بضمير المخاطبين كما أثبتناه


الصفحة التالية
Icon