متن، ص : ١٥٦
وهذه استعارة عجيبة. وقد أومأنا إلى نظيرها فيما تقدم. وذلك أنه سبحانه - إنما سمّى النهار مبصرا، لأن الناس يبصرون فيه، فكأن ذلك صفة الشيء بما هو سبب له، على طريق المبالغة. كما قالوا : ليل أعمى، وليلة عمياء. إذا لم يبصر الناس فيها شيئا لشدة إظلامها.
[سورة يونس (١٠) : آية ٧١]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١)
وقوله : فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً [٧١]. على قراءة من قرا : فَأَجْمِعُوا «١». من الجمع، لا على قراءة من قرأ :
فَأَجْمِعُوا من الإجماع. وهذه استعارة. والمعنى : اشتوروا فى أمركم، وأجمعوا له بالكم، وبالغوا فى قدح الرأى بينكم، حتى لا يكون أمركم غمة عليكم «٢». أي مغطى تغطية حيرة، ومبهما إبهام جهالة، فيكون عليكم كالغمة العمياء، والطخية الظلماء.
وذلك مأخوذ من قولهم : غمّ الهلال. إذا تغطى ببعض الموانع التي تمنع من رؤيته. ثم افعلوا بي ما أنتم فاعلون.
وهذه حكاية لقول نوح عليه السلام لقومه. ويخرج الكلام منه على الاستقلال لكيدهم، وقلة الحفل باستجماعهم واحتشادهم.
[سورة يونس (١٠) : آية ٨٨]
وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨)
وقوله سبحانه. رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ [٨٨]. وهذه استعارة. لأن حقيقة الطمس محو الأثر. من قولهم : طمست الكتاب. إذا محوت سطوره. وطمست الريح ربع الحىّ. إذا محت رسومه. فكأنّ موسى عليه السلام إنما دعا اللّه سبحانه بأن يمحو معارف أموالهم بالمسح لها، حتى لا يعرفوها، ولا يهتدوا إليها، وتكون منقلبة عن حال الانتفاع بها، لأن الطمس تغيّر حال الشيء إلى الدثور والدروس.

(١) هى قراءة عاصم الجحدري، بوصل الألف وفتح الميم. من جمع يجمع
(٢) ومنه قول الشاعر الجاهلى طرفة :
لعمرك ما أمرى على بغمة نهارى، ولا ليلى على بسرمد


الصفحة التالية
Icon