متن، ص : ١٥٩
قلوبهم، ومرامز أعينهم، ومحاذف «١» ألسنتهم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٩ الى ١٠]
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠)
وقوله سبحانه وتعالى : وَلَئِنْ أَذَقْنَا «٢» الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ [٩] وهذه استعارة لأن إذاقة الرحمة ونزعها ليسا بحقيقة هاهنا. وإنما المراد بذلك أنا إذا رحمنا الإنسان بعد توبته من مواقعة [فى ] «٣» بعض الذنوب فقبلنا متابه، وأسقطنا عقابه، ثم واقع بعد ذلك ذنبا آخر، واستحق أن نعاقبه وأن نزيل رحمتنا عنه، يئس من الرحمة وقنط من المغفرة. وليس الأمر كذلك، لأنه إذا عاود الإقلاع، أمن الإيقاع.
وقد أخرج هذا الكلام مخرج الذم لمن يواقع المعصية، فيقنط من قبول التوبة.
فمعنى أذقنا الإنسان منا رحمة. أي عرّفناه أنا قد رحمناه. إذ قد أوجبنا قبول التوبة إذا أخلص العبد فيها، وأتى بها على شروطها وحدودها.
ومعنى ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ أي أزلنا عنه رحمتنا لأجل اقترافه المعصية التي اقترفها فى المانى «٤». وقد يجوز أن يكون المراد بالرحمة هاهنا - واللّه أعلم - النعمة والسرّاء. ويكون انتزاعها منه بمعنى إبداله بها الشدة والضرّاء، إجراء له فى مضمار الابتلاء والاختبار، أو مصلحة يكون معها أقرب إلى الإصلاح «٥» والرشاد. ومما يقوّى ذلك قوله تعالى بعد هذه الآية : وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [١٠]
(٢) فى الأصل «و إذا أذقنا» وهو تحريف من الناسخ الذي كثر تحريفه حتى فى النص القرآنى.
والصواب «و لئن أذقنا».
(٣) هذه اللفظة بالأصل. ولعلها زائدة لأن المعنى يستقيم بدونها، ولهذا وضعناها بين حاصرتين.
(٤) هكذا بالأصل، ولم نهتد إلى تصويب لها.
(٥) فى المتن : الإصلاح، وقد غيرت فى الهامش إلى «الصلاح» بدلا منها.