متن، ص : ١٦٣
المحمّاة بالجحيم. فوصف سبحانه العذاب الغليظ، لأنه واقع بالأشياء الغليظة، والآلات الثقيلة، فيكون ذلك مجازا من هذا الوجه.
ومما يقوّى أن المراد بقوله تعالى : وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ عذاب الآخرة، قوله تعالى : وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا «١» وهذه النجاة من عذاب الدنيا. ثم قال تعالى : وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ فدلّ على أن النجاة من العذاب الأول غير النجاة من العذاب الآخر. وأن الأول عذاب الدنيا، والثاني عذاب الآخرة، لأن العطف بالواو يقضى بذلك، وإلّا كان وجه الكلام : فلما جاء أمرنا نجّينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا من عذاب غليظ، ولم يكن لقوله تعالى :
وَنَجَّيْناهُمْ ثانيا معنى.
[سورة هود (١١) : آية ٨٠]
قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)
وقوله سبحانه حاكيا عن لوط عليه السلام : قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ [٨٠] وهذه استعارة والمراد بها : لو كنت آوى إلى كثرة من قومى، وعدد من أهلى. وجعلهم ركنا له، لأن الإنسان يلجأ إلى قبيلته، ويستند إلى أعوانه ومنعته، كما يستند إلى ركن البناء الرصين، والنضد الأمين «٢».
وجاء جواب لو هاهنا محذوفا. والمعنى، لو أننى على هذه الصفة لحلت بينكم وبين ما هممتم به من الفساد وأردتموه من ذنوب فحشاء. والحذف هاهنا أبلغ، لأنه يوهم المتوعّد بعظيم الجزاء، وبغليظ النكال، ويصرف وهمه الى ضروب العقاب، ولا يقف به عند جنس من أجناس المخوفات المتوقعات.
(٢) النضد من الجبل : ما تراكم منه. والجمع أنضاد.