متن، ص : ١٧٤
بقوله : الَّتِي كُنَّا فِيها على اللفظ كما يقول القائل : قامت تلك الطائفة، وتفرقت تلك الجماعة، على اللفظ. ويحسن منه أن يقول عقيب هذا الكلام : وأكلوا، وشربوا، وركبوا، وذهبوا، حملا على المعنى دون اللفظ. كما قال تعالى : مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ. ثم قال سبحانه : إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ على المعنى.
وكذلك القول فى العير، فإنما أنّث ضميرها على اللفظ، لأن العير مؤنثة.
قال تعالى فى هذه السورة : وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ [٩٤].
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٧]
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)
وقوله سبحانه : وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [٨٧] وهذه استعارة. والمراد ولا تيئسوا من فرج اللّه. والرّوح هو تنسيم الريح، التي يلذّ شميمها، ويطيب نسيمها. فشبه تعالى الفرج الذي يأتى بعد الكربة، ويطرق بعد اللزبة «١» بنسيم الريح الذي ترتاح القلوب له، وتثلج الصدور به. ومثل ذلك ما جاء فى الخبر :(الريح من نفس اللّه) «٢» أي من تنفيسه عن خلقه. يريد سبحانه أن القلوب تستروح إليها، كما يستروح المكروب إلى نفسه، وذو الخناق إلى تنفسه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠٧]
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧)
وقوله سبحانه : أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ [١٠٧]. وهذه استعارة. والمراد بذلك المبالغة فى صفة العذاب بالعموم لهم، والإطباق عليهم، كالغاشية التي تشتمل على الشيء، فتجلله من جميع جنباته، وتستره عن العيون من كل جهاته.

(١) اللزبة : الشدة والقحط. يقال سنة لزبة أي شديدة.
(٢) وفى «نهاية الأرب» ج ١ ص ٩٥ روى عن رسول اللّه أنه قال (الريح من روح اللّه تعالى تأتى بالرحمة وتأتى بالعذاب، فلا تسبوها، واسألوا اللّه خيرها، واستعيذوا باللّه من شرها) أخرجه البيهقي فى سننه.


الصفحة التالية
Icon