متن، ص : ١٧٨
سبحانه بذلك إذلال الجبارين. فإذا تمهد ما ذكرنا كان فى ذكر «الظلال» فائدة حسنة، وهو أن الظل الذي هو فى سجود الشخص وهو غير قائم بنفسه، إذا ظهرت فيه أعلام الخضوع للخالق تعالى بما فيه من دلائل الحكمة وعجائب الصنعة، كان ذلك أعجب من ظهور هذه الحال فى البنية القائمة بنفسها، والمعروفة بشخصها.
[سورة الرعد (١٣) : آية ١٧]
أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (١٧)
وقوله سبحانه : كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ [١٧].
وهذه استعارة. والمراد بضرب الأمثال - واللّه أعلم - معنيان : أحدهما أن يكون تعالى أراد بضربها تسييرها «١» فى البلاد، وإدارتها على ألسنة الناس. من قولهم : ضرب فلان فى الأرض. إذا توغل فيها وأبعد فى أقاصيها. ويقوم قوله تعالى : يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ مقام قوله ضرب بها فى البلاد.
والمعنى الآخر فى ضرب المثل أن يكون المراد به نصبه للناس بالشهرة، لتستدل عليه خواطرهم، كما تستدل على الشيء المنصوب نواظهرهم. وذلك مأخوذ من قولهم : ضربت الخباء. إذا نصبته، وأثبتّ طنبه «٢»، وأقمت عمده. ويكون قوله سبحانه :
كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ [١٧]. إلى هذا الوجه. أي ينصب منارهما، ويوضح أعلامهما، ليعرف المكلفون الحق بعلاماته فيقصدوه، ويعرفوا الباطل فيجتنبوه.
[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٣]
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣)
وقوله سبحانه : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [٣٣] وهذه استعارة.

(١) فى الأصل : تسيرها وهو تحريف فى النسخ.
(٢) الطنب : حبل طويل يشد به سرادق البيت. والجمع أطناب.


الصفحة التالية
Icon