متن، ص : ١٧٩
والمراد به أنه تعالى محص على كل نفس ما كسبت، ليجازيها به. وشاهد ذلك قوله سبحانه : وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً «١».
أي ما دمت له مطالبا، ولأمره مراعيا، لا تمهله للحيلة، ولا تنظره للغيلة «٢». وقد استقصينا الكلام على ذلك فى كتابنا الكبير.
وإذا لم يصح إطلاق صفة القيام على اللّه سبحانه حقيقة، فإن المراد بها قيام إحصائه على كل نفس بما كسبت، ليطالبها به، ويجازيها عنه بحسبه. والقيام والدوام هاهنا بمعنى واحد. والماء الدائم هو القائم الذي لا يجرى.
[سورة الرعد (١٣) : آية ٤١]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١)
وقوله سبحانه : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [٤١].
وهذه استعارة. وقد اختلف الناس فى المراد بها، فقال قوم : معنى ذلك نقصان أرض المشركين، بفتحها على المسلمين. وقال آخرون : المراد بنقصانها : موت أهلها، وقيل موت علمائها.
وعندى فى ذلك قول آخر، وهو أن يكون المراد بنقص الأرض - واللّه أعلم - موت كرامها. وتكون الأطراف هاهنا جمع طرف. لا جمع طرف، والطّرف هو الشيء الكريم.
ومنه سمّى الفرس طرفا، إذ كان كريما. وعلى ذلك قول أبى الهندي «٣» الرياحي :
شربنا شربة من ذات عرق بأطراف الزجاج من العصير
أي بكرائم الزجاج. ولم يمض فى هذا القول لأحد.
(٢) الغيلة بكسر الغين : الخديعة والاحتيال.
(٣) فى الأصل : أبو الهند وهو تحريف من الناسخ. واسمه عبد المؤمن بن عبد القدوس، وهو من بنى زيد بن رياح. وقد ترجم له ابن قتيبة فى «الشعر والشعراء» ص ٦٦٣ من طبعة عيسى الحلبي بتحقيق الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر، وذكر صاحب «العقد الفريد» خبرا له وطرفا من أقواله ونوادر شرابه.
جزء ٦ ص ٣٤٢.