متن، ص : ٢٠٩
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٦ الى ١٧]
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)
وقوله سبحانه : فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً [١٦]. وفى هذه الآية استعارتان : إحداهما قوله تعالى : يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ والرحمة هاهنا بمعنى النعمة. ولم يكن هناك مطوى فينشر، ولا مكنون فيظهر. وإنما المراد بذلك : يسبغ اللّه عليكم نعمته، على وجه الظهور والشياع، دون الإخفاء والإسرار. فيكون ذلك كنشر الثوب المطوى وإظهار الشيء الخفي، فى شياع الأمر، وانتشار الذكر. والاستعارة الأخرى قوله تعالى : وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً [١٦]. وأصل المرفق ما ارتفق به. وهو مأخوذ من المرفقة. وهى التي يرتفق عليها، أي يعتمد عليها بالمرفق.
ويقال مرفق، ومرفق بمعنى واحد. وقد قرىء بهما جميعا بمعنى واحد. فكأنه قال :
يهيىء لكم من أمركم ما تعتمدون عليه وتستندون إليه، ويكون لظهوركم عمادا، ولأعضادكم سنادا.
وقوله سبحانه : وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ، وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ، وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ [١٧]. وفى هذه الآية استعارتان : أولاهما قوله تعالى فى ذكر الشمس : تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ لأن التزاور أصله الميل، وهو مأخوذ من الزّور، وهو الصدر. فكأنه سبحانه قال : إن الشمس تميل عن هذا الموضع، كما يميل المتزاور عن الشيء بصدره ووجهه. ويبين بذلك عن موضع الكهف المشار إليه من جهات المشرق والمغرب أن الشمس لا يلحقه ثوبها عند الشروق، ولا ينفض عليه «١»... آخر الغروب.

(١) هنا لفظة غير واضحة بالأصل.


الصفحة التالية
Icon