متن، ص : ٢١١
العرب أن تسمى القائل بالظن راجما وقاذفا، وتسمى السّابّ الشاتم راميا راجما.
ويقولون : هذا الأمر غيب مرجّم. أي يرميه الناس بظنونهم، ويقدرونه بحسابهم.
ومرجّم إنما جاء لتكثير العمل، كأنه يرمى من هاهنا، ومن هاهنا. وإنما سمى الظان راجما لأنه يوجه الظن إلى غير جهة مطلوبة، بل يظن هذا، ويظن هذا، كالراجم الذي لا يعلم مواقع أحجاره إذا رمى بها فى الجهات. فتارة تقع يمينا وتارة تقع شمالا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)
وقوله سبحانه : وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [٢٨] وهذه استعارة. على أحد التأويلات فى هذه الآية. وهو أن يكون المراد بذلك : أننا تركنا قلبه غفلا من السّمات التي تتسم بها قلوب المؤمنين، فتدل على زكاء أعمالهم، وصلاح أحوالهم. كقوله سبحانه : أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «١» وذلك تشبيه بالبعير إذا أغفل فترك بلا سمة يعرف بها، على عادة العرب فى إقامة السّمات مقام العلامات المميزة بين أموالهم فى الموارد والمراعى وتعريف الضوالّ.
وفى هذه الآية أقوال أخر، القول الذي قدمناه أدخلها فى باب الاستعارة. منها أن يكون معنى أَغْفَلْنا قَلْبَهُ أي نسبناه إلى الغفلة. كقول القائل أكفرت فلانا. إذا نسبته إلى الكفر، وأبخلته إذا نسبته إلى البخل.
ومنها أن يكون المراد : سميناه غافلا بتعرضه للغفلة، فكأن المعنى : حكمنا عليه بأنه غافل. كما يقول القائل : قد حكمت على فلان بأنه جاهل. أي لما ظهر الجهل منه وجب هذا القول فيه.
ومنها أن يكون ذلك من باب المصادفة. فيكون المعنى : صادفنا قلبه غافلا. كقول