متن، ص : ٢١٣
التعديل والتجوير، أنه لو لم يكن الأمر على ما قلناه فى إغفال القلب من أن المراد بذلك مصادفته غافلا، وكان على ما قاله الخصوم من أنه تعالى صدف به عن أمره، وصرفه عن ذكره لوجب أن يقول سبحانه : فاتّبع هواه. لقول القائل : أعطيته فأخذ، وبسطته فانبسط، وأكرهته فأذل. أي كانت هذه الأفعال منه مسببة عن أفعالى به.
لأن هذا وجه الكلام فى الأغلب الأعرف. فلما جاء بالواو صار كأنه قال : ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه. لأنه إذا وجد غافلا فهو الذي غفل، والفعل حينئذ له ومنسوب إليه.
وقوله سبحانه : إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها، وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً [٢٩]. وفى هذه الآية استعارتان : أولاهما قوله تعالى : أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها والسرادق هو الفسطاط المحيط به. فوصفه «١» - سبحانه - النار بالإحاطة والاشتمال فلا ينجو منها ناج، ولا يطلق منها عان. وذلك كقوله تعالى : وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً «٢».
أي حبسا تحصرهم، وطولا تقصرهم، ومثل قوله سبحانه أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها قوله : إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ «٣» والمؤصدة : المغلقة المطبقة. من قولهم أوصدت الباب وأصّدته «٤». إذا أغلقته وأطبقته. وقرىء : عمد وعمد.
والمراد بقوله سبحانه : فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ مثل المراد فى قوله : أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها

(١) هكذا بالأصل. وهو تحريف من الناسخ صوابه «فوصف».
(٢) سورة الإسراء. الآية رقم ٨.
(٣) سورة الهمزة الآيتان ٨، ٩.
(٤) ويقال أيضا آصد الباب على وزن أفعل مثل أصد بالتضعيف.


الصفحة التالية
Icon