متن، ص : ٢٤٢
أو يكون المعنى : واصنع الفلك بأعين أوليائنا من الملائكة والمؤمنين. فإنا نمنعك بهم، ونشدك بمعاضدتهم، فلا يصل إليك من أرادك، ولا تبلغك مرامى من كادك.
[سورة المؤمنون (٢٣) : آية ٤١]
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١)
وقوله سبحانه : فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [٤١] وهذه استعارة.
والمراد بها - واللّه أعلم - أنه عاجلهم بالاستئصال والهلاك، فطاحوا كما يطيح الغثاء إذا سال به السيل. والغثاء : ما حملت السيول فى ممرها من أضغاث النبات، وهشيم الأوراق وما يجرى مجرى ذلك. فكأن أولئك القوم هلكوا، ولم يحسّ لهم أثر، كما لا يحسّ أثر ما طاح به السيل من هذه الأشياء المذكورة.
والعرب يعبرون عن هلاك القوم بقولهم : قد سال بهم السيل. فيجوز أن يكون قوله سبحانه : فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً. كناية عن الهلاك، كما كنوا بقولهم : سال بهم السيل عن الهلاك. والمعنى : فجعلناهم كالغثاء الطافح فى سرعة انجفاله «١»، وهوان فقدانه.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]
وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣)
وقوله سبحانه : وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ «٢» لا يُظْلَمُونَ [٦٢]. وهذه استعارة. والنطق لا يوصف به إلا من يتكلم بآلة.
وسمعت قاضى القضاة «٣» أبا الحسن يجيب بذلك من يسأله : هل يجوز أن يوصف القديم تعالى بأنه ناطق، كما يوصف بأنه يتكلم ؟ فمنع من ذلك، وقال : ما قدمت ذكره. فوصف سبحانه القرآن بالنطق مبالغة فى وصفه بإظهار البيان. وإعلان البرهان، وتشبيها باللسان الناطق، فى الإبانة عن ضميره، والكشف عن مستوره.
وقوله سبحانه : بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا [٦٣] وهذه استعارة. والمراد

(١) الانجفال : الهرب فى إسراع. [.....]
(٢) فى الأصل :«فهم» بالفاء. وهو تحريف من الناسخ.
(٣) تقدمت ترجمتنا له عند الكلام فى مجازات سورة الكهف.


الصفحة التالية
Icon