متن، ص : ٢٥٩
بمعزل، وعن العلم بمزجر. وذلك كقول القائل لغيره : قد ألقيت إليك سمعى. أي صرفته إلى حديثك، ولم أشغله بشىء غير سماع كلامك.
والتأويل الآخر أن يكون السّمع هاهنا بمعنى المسموع، كما يكون العلم بمعنى المعلوم «١» فيكون التأويل أن الشياطين يلقون ما يدّعون أنهم يستمعونه إلى كل أفاك أثيم، من أعداء النبي صلّى اللّه عليه وعلى آله. على طريق الوسوسة واعتماد القدح فى الشريعة. وهذا الوجه يخرج الكلام عن حد الاستعارة.
وقوله سبحانه : وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ [٢٢٤، ٢٢٥]. وهذه استعارة. والمراد بها - واللّه أعلم - أن الشعراء يذهبون فى أقوالهم المذاهب المختلفة، ويسلكون الطرق المتشعبة. وذلك كما يقول الرّجل لصاحبه إذا كان مخالفا له فى رأى، أو مباعدا له فى كلام : أنا فى واد، وأنت فى واد. أي أنت ذاهب فى طريق وأنا ذاهب فى طريق. ومثل ذلك قولهم : فلان يهبّ مع كل ريح، ويطير بكل جناح. إذا كان تابعا لكل قائد، ومجيبا لكل ناعق.
وقيل إن معنى ذلك تصرّف الشاعر فى وجوه الكلام من مدح وذم، واستزادة، وعتب، وغزل، ونسيب، ورثاء، وتشبيب. فشبّهت هذه الأقسام من الكلام بالأودية المتشعبة، والسبل المختلفة.
ووصف الشعراء بالهيمان فيه «٢» فرط مبالغة فى صفتهم بالذهاب فى أقطارها، والإبعاد فى غاياتها. لأن قوله سبحانه : يَهِيمُونَ أبلغ فى هذا المعنى من قوله : يسعون، ويسيرون. ومع ذلك فالهيمان صفة من صفات من لا مسكة له ولا رجاحة معه، فهى مخالفة لصفات ذى الحلم الرزين، والعقل الرصين.

(١) فى الأصل. «الملوم» وهو ظاهر التحريف.
(٢) فى الأصل «فيها» وهو تحريف.


الصفحة التالية
Icon