تلخيص البيان، متن، ص: ٢٧٠
وقد مضى نظير هذا الكلام فى الأنعام، وفى بنى إسرائيل، وتركنا الإشارة إليه هناك لما جاءت فى هذا الموضع زيادة حققت الكلام بالاستعارة، فاحتجنا إلى العبارة عنها أسوة بنظائرها «١». فنقول: إن قوله سبحانه :
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لا تحمل حاملة حمل غيرها يوم القيامة. يقال:
وزر، يزر وزرا. إذا حمل. والاسم الوزر. ومن ذلك أخذ اسم الوزير، لأنه حامل الثّقل عن الأمير. والمعنى: ولا يحمل مذنب ذنب غيره، ولا يؤخذ بجرمه وجنايته.
والزيادة فى هذا الموضع قوله تعالى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ ءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى فشبّه تعالى استغاثة المثقّل من الآثام باستغاثته من الإعياء.
لأن من عادة من تلك حاله أن يطلب من يشاطره الحمل، ويخفف عنه الثّقل. فأما فى ذلك اليوم فلا يهم كلّ امرئ إلا نفسه، ولا يعنيه «٢» إلا أمره، ولا يعين أحد أحدا، ولا يخفف مدعوّ من داع ثقلا، ولو كان أولى الناس بأمره، وأقربهم التياطا به، وانتياطا «٣» بنسبه.
وإنما قاله سبحانه: مثقلة. ولم يقل: مثقل. لأنه ردّ ذلك إلى النفس، ولم يردده إلى الشخص.
[سورة فاطر (٣٥): آية ٤٣]
اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (٤٣)
وقوله سبحانه: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [٤٣] وهذه استعارة.
(١) فى الأصل «نظائرها» بدون باء. وهو تحريف من الناسخ.
(٢) فى الأصل: «و لا يعينه» من الإعانة. وهو تحريف.
(٣) انتاط به: أي تعلق به. ولاحظ هنا الجناس الناقص بين التياط وانتياط. وذلك من براعات الشريف الرضى.