ألا ترى قوله تعالى بعد ذلك: وَسَواءٌ عَلَيْهِمْأَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [١٠]. وإذا كان الكلام محمولا على أحوال الدنيا دون أحوال الآخرة، وقد علمنا أن هؤلاء القوم الذين ذهب الكلام إليهم كان الناس يشاهدونهم غير مقمحين بالأغلال ولا مضروب عليهم بالأسداد، علمنا أن الكلام خرج مخرج قوله سبحانه: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ «١» وكأنّ ذلك وصف لما كان عليه الكفار عند سماع القرآن من تنكيس الأذقان، ولىّ الأعناق، ذهابا عن الرشد، واستكبارا عن الانقياد للحق، وضيق صدور بما يرد عليهم من مواقع البيان، وقوارع القرآن. وقد اختلف فى معنى الإقماح. فقال قوم: هو غض الأبصار، واستشهدوا بقول بشر بن أبى «٢» خازم فى ذكر السفينة.
(١) سورة البقرة. الآية رقم ٧.
(٢) البيت فى «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبى ج ١٥ ص ٨ منسوبا إلى بشر فقط من غير ذكر لأبيه.
وفى كتاب «القرطين» لابن مطرف ج ٢ ص ٨٧ لم ينسب لقائله. ولكن مصحح الكتاب نسبه فى الهامش إلى بشر بن أبى حازم بالحاء المهملة كما جاء مثل ذلك فى كتاب «الحماسة» لابن الشجري طبع حيدر أباد ص ٥، ٣٠٤ أما فى صفحة ١٠٣، ٢٦٩ فجاء بغير ذلك. والصواب بالخاء المعجمة والزاى. وله ترجمة فى «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص ٢٢٧، والخزانة ج ٢ ص ٢٦١ - ٢٦٤، ومختارات ابن الشجري ج ٢ ص ١٩ - ٣٣ والمفضليات بتحقيق الأستاذين أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون.