متن، ص : ٣٠٤
تعالى قال : فلم تحزن عليهم السماء والأرض بعد هلاكهم وانقطاع آثارهم. وإنما عبّر سبحانه عن الحزن بالبكاء لأن البكاء يصدر عن الحزن فى أكثر الأحوال. ومن عادة العرب أن يصفوا الدّار إذا ظعن عنها سكّانها، وفارقها قطّانها بأنها باكية عليهم، ومتوجعة لهم. على طريق المجاز والاتساع. بمعنى ظهور علامات الخشوع والوحشة عليها، وانقطاع أسباب النعمة والأنسة عنها.
ووجه آخر وهو أن يكون المعنى : لو كانت السموات والأرض من الجنس الذي يصح منه البكاء لم تبكيا عليهم، ولم تتوجّعا لهم، إذ كان اللّه سبحانه عليهم ساخطا، ولهم ماقتا.
ووجه آخر، قيل معنى ذلك : ما بكى عليهم من السموات والأرض ما يبكى على المؤمن عند وفاته، من مواضع صلواته، ومصاعد أعماله، على ما ورد الخبر به. «١»
وفى ذلك وجهان آخران يخرج بهما الكلام عن طريق الاستعارة، فأحدهما أن يكون المعنى : فما بكى عليهم أهل السماء والأرض. ونظائر ذلك فى القرآن كثيرة. والآخر أن يكون المعنى أنه لم ينتصر أحد لهم، ولم يطلب طالب بثأرهم.
ومضى فى أشعار العرب : بكينا فلانا بأطراف الرماح، وبمضارب الصفاح. أي طلبنا دمه، وأدركنا ثأره.

(١) روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :«ما من مؤمن إلا وله فى السماء بابان : باب ينزل منه رزقه، وباب يدخل منه كلامه وعمله، فإذا مات فقداه فبكيا عليه. ثم تلا قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ انظر «الجامع لأحكام القرآن» ج ١٦ ص ١٤٠ وقال على وابن عباس رضى اللّه عنهما : إنه يبكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء. (نفس المصدر السابق).


الصفحة التالية
Icon