تلخيص البيان، متن، ص: ٣٤٠
أي تكاد أعصابه المتلاحمة تتزايل، وأخلاطه المتجاورة تتنافى وتتباعد، من شدة اهتياج غيظه، واحتدام طبعه. فأجرى سبحانه هذه الصفة - التي هى أبلغ صفات الغضبان - على نار جهنم لما وصفها بالغيظ، ليكون التمثيل فى أقصى منازله، وأعلى مراتبه.
[سورة الملك (٦٧): آية ١٥]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)
وقوله سبحانه: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها [١٥] وهذه استعارة. لأن الذّلول من صفة الحيوان المركوب. يقال: بعير ذلول. وفرس ذلول. إذا أمكن من ظهره، وتصرّف على مراده راكبه.
وضدّ ذلك وصفهم للمركوب المانع ظهره، والممتنع على راكبه بالصّعب والمصعب.
والمعنى: أنه سبحانه جعل الأرض للناس كالمركوب الذلول، ممكنة من الاستقرار عليها، والتصرّف فيها، طائعة غير مانعة، ومذعنة غير مدافعة.
والمراد بقوله تعالى: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها أي فى ظهورها وأعاليها، وأعلى كلّ شى ء منكب له.
وقال بعضهم: معنى ذلك أنه سبحانه لما أصابنا فى بعض الأحيان بالرجفات والزلازل التي لا قرار معها على وجه الأرض، وخلق الجبال الخشن الملامس، الصعبة المسالك لتكون للأرض ثقلا، وللخلق معقلا، أعلمنا سبحانه أنه لو لا ما أنعم به علينا من تسكين الأرض وتوطئتها، ونفى الحزونة «١» والوعوث عن أكثرها حتى أمكنت من التصرف على ظهرها، لما كان عليها مثبت قدم، ولا مسرح نعم. وقد استقصينا الكلام على ذلك فى كتابنا الكبير.
_________
(١) الحزونة: غلظ الأرض، والوعوث: صعوبة الطريق وتعسر السلوك فيه.