متن، ص : ٣٥٠
والطرائق : جمع طريقة. وهى - فى هذا الموضع - المذهب والنحلة. والقدد : جمع قدّة، وهى القطعة من الشيء المقدود طولا، مثل فلذة وفلذ، وقربة وقرب. وقد غلب على ما كان من القطع طولا لفظ القدّ، وعلى ما كان من القطع عرضا لفظ القطّ. فكأنه سبحانه شبه اختلافهم فى الأحوال، وافتراقهم فى الآراء بالسّيور المقدودة، التي تتفرق عن أصلها، وتتشعب بعد ائتلافها.
[سورة الجن (٧٢) : آية ١٥]
وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥)
وقوله سبحانه : أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
[١٥] وهذه استعارة.
والمراد أن نار جهنم - ونعوذ باللّه منها - يستدام وقودها بهم، كما يستدام وقود النار بالحطب، لأن كل نار لا بدّ لها من حشاش يحشها، ووقود يمدها.
[سورة الجن (٧٢) : آية ١٩]
وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩)
وقوله سبحانه : وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [١٩] وهذه استعارة. واللّبد هاهنا كناية عن الجماعات المتكاثرة التي تظاهرت من الكفار على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، أي اجتمعوا عليه متألبين، وركبوه مترادفين.
فكانوا كلبد الشّعر، وهى طرائقه وقطعه التي يركب بعضها بعضا. وواحدتها لبدة.
ومنه قيل : لبدة الأسد. وهى الشعر المتراكب على مناكبه. وذلك أبلغ ما شبّهت به الجموع المتعاظلة، والأحزاب المتألفة.
وقال بعض أهل التأويل : المراد بذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لما صلّى الصبح ببطن نخلة «١» منصرفا من حنين، وقد حضره الوفد من الجن - وخبرهم مشهور - كادوا يركبون منكبه، ويطأون أثوابه، لما سمعوا قراءته، استحسانا لها، وارتياحا إليها، وتعجبا منها.
روى عن ابن عباس فى هذا المعنى - وهو أغرب الأقوال - أن هذا الكلام من صلة كلام الجن لقومهم لما رجعوا إليهم، فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا. وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم لما قام ببطن «٢» نخلة يصلى بأصحابه عجب الجن الحاضرون من طواعيتهم له فى

(١ - ٢) فى الأصل «بطن نحلة» بالحاء المهملة وهو تحريف والتصويب عن «معجم ما استجم» للبكرى.


الصفحة التالية
Icon