النفس وهلم جرا فترى الجمال اللغوي ماثلا أمامك في مجموعة مختلفة مؤتلفة لا كركرة ولا ثرثرة ولا رخاوة ولا معاظلة ولا تناكر ولا تنافر وهكذا ترى كلاما ليس بالحضري الفاتر ولا بالبدوي الخشن بل تراه وقد امتزجت فيه جزالة البادية وفخامتها برقة الحاضرة وسلاستها وقدر فيه الأمر أن تقديرا لا يبغي بعضهما على بعض فإذا مزيج منهما كأنما هو عصارة اللغتين وسلالتهما أو كأنما هو نقطة الاتصال بين القبائل عندها تلتقي أذواقهم وعليها تأتلف قلوبهم من هذه الخصوصة والتي قبلها تتألف القشرة السطحية للجمال القرآني وليس الشأن في هذا الغلاف إلا كشأن الأصداف مما تحويه من اللآلئ النفيسة فإنه جلت قدرته قد أجرى سنته في نظام هذا العالم أن يغشى جلائل أسراره بأستار لا تخلو من متعة وجمال ليكون ذلك من عوامل حفظها وبقائها بتنافس المتنافسين فيها وحرصهم عليها أنظر كيف جعل باعثة الغذاء ورابطة المحبة قواما لبقاء الإنسان فردا وجماعة فكذلك لما سبقت كلمته أن يصون علينا نفائس العلوم التي أودعها هذا الكتاب الكريم قضت حكمته أن يختار لها صوانا يحببها إلى الناس بعذوبته ويغريهم عليها بطلاوته ويكون بمنزلة الحداء يستحث النفوس على السير إليها ويهون عليها وعثاء السفر في طلب كمالها لا جرم اصطفى لها من هذا اللسان العربي المبين ذلك القالب العذب الجميل ومن أجل ذلك سيبقى صوت القرآن أبدا في أفواه الناس وآذانهم ما دامت فيهم حاسة تذوق وحاسة تسمع وإن لم يكن لأكثرهم قلوب يفقهون بها حقيقة سره وينفذون بها إلى بعيد غوره إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون