البلغاء أو النبيين والمرسلين لأفسد بذلك مزاجه في فم كل قارئ ولجعل نظامه يضطرب في أذن كل سامع وإذا لنادى الداخل على نفسه بأنه واغل دخيل ولنفاه القرآن عن نفسه كما ينفي الكير خبث الحديد وإنه لكتب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فإذا أنت لم يلهك جمال العطاء عما تحته من الكنز الدفين ولم تحجبك بهجة الأستار عما وراءها من السر المصون بل فليت القشرة عن لبها وكشفت الصدفة عن درها فنفذت من هذا النظام اللفظي إلى ذلك النظام المعنوي تجلي لك ما هو أبهى وأبهر ولقيك منه ما هو أروع وأبدع لا نريد أن نحدثك ها هنا عن معاني القرآن وما حوته من العلوم الخارجة عن متناول البشر فإن لهذا الحديث موضعا يجيء إن شاء الله تعالى في بحث الإعجاز العلمي وحديثنا كما ترى لا يزال في شأن الإعجاز اللغوي وإنما اللغة ألفاظ بيد أن هذه الألفاظ ينظر فيها تارة من حيث هي أبنية صوتية مادتها الحروف وصورتها الحركات والسكنات من غير نظر إلى دلالتها وهذه الناحية قد مضى لنا القول فيها آنفا وتارة من حيث هي أداة لتصوير المعاني ونقلها من نفس المتكلم إلى نفس المخاطب بها وهذه هي الناحية التي سنعالجها الآن ولا شك أنها هي أعظم الناحيتين أثرا في الإعجاز اللغوي الذي نحن بصدده إذ اللغات تتفاضل من حيث هي بيان أكثر من تفاضلها من حيث هي أجراس وأنغام أما النظر في المعاني القرآنية من جهة ما فيها من العلوم العجيبة فتلك خطوة