هناك ومن أبواب العجز هاهنا أسباب العجز عناك القصد في اللفظ و الوفاء بحق المعنى نهايتان كل من حاول أن يجمع بينهما وقف منهما موقف الزوج بين ضرتين لا يستطيع أن يعدل بينهما دون ميل ما إلى إحداهما فالذي يعمد إلى ادخار لفظه وعدم الإنفاق منه إلا على حد الضرورة لا ينفك من أن يحيف على المعنى قليلا أو كثيرا ذلك أنه إما أن يؤدي لك مراده جملة لا تفصيلا فيكون سبيله سبيل من يقول باب المحاجة صدقوا أو كذبوا وفي باب الوصف حسن أو قبيح وفي باب الإخبار كان أو لم يكن في باب الطلب افعل أو لا تفعل لا زائد على ذلك وإما أن يذهب فيه إلى شيء من التفصيل ولكنه إذ يأخذه الحذر من الإكثار والإسراف يبذل جهده في ضم أطرافه وحذف ما استطاع من أدوات التمهيد والتشويق ووسائل التقرير والتثبيت وما إلى ذلك مما تمس إليه حاجة النفس في البيان حتى يخرجه ثوبا متقلصا يقصر عن غايته أو هيكلا من العظم لا يكسوه لحم ولا عصب ورب حرف واحد ينقص من الكلام يذهب بمائه ورونقه ويكشف شمس فصاحته ورب اختصار بطوي الكلام طيا يزهق روحه ويعمي طريقه ويرد إيجازه عيا وإلغازا والذي يعمد إلى الوفاء بحق المعنى وتحليله إلى عناصره وإبراز كل دقائقه بقدر ما يحيط به علمه وما يؤديه إليه إلهامه لا يجد له بدا من أن يمد في نفسه مدا لأنه لا يجد في القليل من اللفظ ما يشفي صدره ويؤدي عن نفسه رسالتها كاملة فإذا أعطى نفسه حظها من ذلك لا يلبث أن يباعد ما بين أطراف كلامه ويبطئ بك في الوصول إلى غايته فتحس بقوة نشاطك وباعثة إقبالك آخذتين في التضاؤل والاضمحلال


الصفحة التالية
Icon