ألا فقد وقع مصداق هذا المثل في مسألتنا وإليك البيان أما الرجل فهو هذا النبي الأمي صلوات الله عليه وأما المدينة الجامعة التي شرع في بنائها منذ وقعت له لبناتها فذلك الكتاب العزيز الذي أخذ هو منذ وصلت إليه باكورة رسائله يرتب أجزاءه ترتيب الواثق المطمئن إلى أن سيكون له منها ديوان تام جامع وأما القصور والغرفات واللبنات فهي أجزاء ها الديوان من السور والنجوم والآيات وأما تلك العوامل الفجائية التي جعلت تستنزل من مختلف معادن الجبال ما ركبت منه هذه القصور المشيدة فتلك هي الأحداث الكونية والاجتماعية والمشاكل الدينية والدنيوية التي كانت تعترض الناس آنا بعد آن في شؤونهم العامة والخاصة فكان يتقدم بها المؤمن منهم مستفتيا ومسترشدا والمكذب مستشكلا ومجادلا وكان على وفق ذلك يتنزل الكلام نجما فنجما بمعان تختلف باختلاف تلك المناسبات والبواعث وبمقادير تتفاوت قلة وكثرة وعلى طرق تتنوع لينا وشدة ومن هذه النجوم المختلفة المتفرقة صارت تتألف تلك المجاميع المسماة بالسور لا على أساس التجانس بين أجزاء كل مجموعة منها بل على أن يأوي إلى الحظيرة الواحدة ما شئت من فصائل الجنس الواحد والأجناس المتخالفة وأما الطريق العجب الذي اتبع في تأليف تلك الأبنية من أجزائها وهو السبب الثالث الذي رفع المسألة من حد العسر إلى حد الإحالة فهو أن ذلك الذي نزل عليه الذكر لم يتربص بترتيب نجومه حتى كملت نزولا بل لم يتريث بتأليف سورة واحدة منه حتى تمت فصولا بل كان كلما ألقيت إليه آية أو آيات أمر بوضعها من فوره في مكان مرتب من سورة معينة على حين أن هذه الآيات والسور لم تتخذ في ورودها التنزيلي سبيلها الذي اتبعته في وضعها الترتيبي فكم من سورة


الصفحة التالية
Icon