ولو أنه من أجل المحافظة على استقلال هذه المعاني ذهب يفرقها ويقطع أرحامها ويزيل التداعي المعنوي والنظمي من بينها إذا لجرده من خاصته الأخرى وهي أنه لا ينتقل في حديثه انتقالا طفريا يخرجه إلى حد المفارقات الضبيانية التي تجمع شتى الأحاديث على غير نظام والتي لا تدع نفس السامع تستشرف إلى اختتام كلام وافتتاح كلام كيف وهو القول الرصين المحكم كلا بل الحديث فيه كما علمت ذو شجون ولكنه حين يجمع الأجناس المختلفة لا يدعها حتى يبرزها في صورة مؤتلفة وحتى يجعل من اختلافها نفسه قواما لائتلافها وهذا التأليف بين المختلفات ما زال هو العقدة التي يطلب حلها في كل فن وصنعة جميلة وهو المقياس الدقيق الذي تقاس به مراتب البراعة ودقة الذوق في تلك الفنون والصناعات فإن تقويم النسق وتعديل المزاج بين الألوان والعناصر الكثيرة أصعب مراسا وأشد عناء منه في أجزاء اللون الواحد والعنصر الواحد وعلى هذه القاعدة ترى القرآن يعمد تارة إلى الأضداد يجاور بينها فيخرج بذلك محاسنها ومساويها في أجلى مظاهرها ويعمد تارة أخرى إلى الأمور المختلفة في أنفسها من غير تضاد فيجعلها تتعاون في أحكامها بسوق بعضها إلى بعض مساق التنظير أو التفريع أو الاستشهاد أو الاستنباط أو التكميل أو الاحتراس إلى غير ذلك وربما جعل اقتران معنيين في الوقوع التاريخي أو تجاور شيئين في الوضع المكاني دعامة لاقترانهما في النظم فيحسبه الجاهل بأسباب النزول وطبيعة المكان خروجا وما هو بخروج وإنما هو إجابة لحاجات النفوس التي تتداعى فيها تلك المعاني فإن لم يكن بين المعنيين نسب ولا صهر بوجه من هذه الوجوه ونحوها رأيته يتلطف في الانتقال من أحدهما إلى الآخر إما بحسن التخلص