أما في الركن الأول فقد سمعته هناك يأمر بعبادة الله وتسمعه هنا ينهى عن الكفر بالله وهناك ذكرهم بنعمة إيجادهم مجملة وهنا يذكرهم بها مفصلة متممة وهناك عرفهم بنعمة تسخير الأرض والسماء لهم وهنا يعرفهم بذلك في شيء من التفصيل وأما في الركن الثاني فقد ذكر هناك نبوة هذا النبي الخاتم وهنا يذكر نبوة ذلك النبي الأول آدم لنعلم أن نبينا لم يكن بدعا من الرسل وأن أمر التشريع والنبوات أمر قديم يتصل بنشأة الإنسان وقد مهد لهذا البيان بذكر تاريخ تلك النشأة العجيبة وما جرى في شأنها من الحديث مع الملائكة ذلك الحديث الدال على مزيد العناية الإلهية بهذا النوع البشري إذ اختاره الله لخلافة الأرض وآثره على سائر الخلق بفضيلة العلم ليكون الامتنان بذلك جاريا مع الامتنان بالنعم المذكورة في الركن الاول على أحسن نسق ثم اتصل من هذا التفضيل إلى شرح ما نشأ عنه من حسد إبليس وعداوته القديمة للإنسان الأول ومخادعته إياه بوساوسه وما انتهى إليه أمر الخادع والمخدوع من ابتلائهما وابتلاء ذريتهما بالتكاليف وهو كما ترى حديث يطلب بعضه بعضا ويأخذ بعضه بأعناق بعض وأما في الركن الثالث فقد رأيته هناك يصف الجنة والنار بما لهما من وصف رائع أو مروع وتراه هنا يكتفي عن وصفهما بذكر اسمهما وتعيين أهلهما ناظما وضع الأجزية مع وضع التكاليف في سلك واحد ومتخلصا أحسن تخلص من أحدهما إلى الآخر بتقرير أن اتباع التكاليف أو عدم اتباعها هو مناط السعادة أو الشقاوة في العقبى ولقد ختم الكلام هنا كما ختمه في المقدمة بشأن المخالفين تمهيدا للانتقال مرة أخرى إلى نداء فريق منهم ودعوتهم إلى الإسلام وهو المقصد الثاني


الصفحة التالية
Icon